نشرت مجلة نيويورك تايمز في أحد مقالاتها مقالا بعنوان «مدينة الحاويات» وهو يشير إلى معسكر كيليس، في جنوب تركيا، والذي يضم آلاف اللاجئين من السوريين المحاصرين خلف أبواب ضخمة وتحيط بهم الأسلاك الشائكة العالية، والذي يبدو من الخارج له نفس الخصائص والمواصفات التي تجعل منه مخيما للاجئين كغيره من المخيمات في جميع أنحاء العالم في نظر الجميع، ولكن بالعكس من الداخل يبدو كالسجون الكبيرة أو مراكز الاحتجاز للمجرمين، ويعيش سكان كيلس (اللاجئون) في 2053 من الحاويات البيضاء الموزعة بشكل عشوائي وفوضوي، وتذكرك الصور التي رافقت المقالة بحاويات الشحن في الميناء رغم اختلافها من حيث الحجم والغرض المخصصه له.
فتركيا تعتبر اللاجئين السوريين ثروة كبيرة وطوق نجاة لاقتصادها الهش أساساً، وكان إردوغان يسعى إلى التدفق المالي الواسع في السنوات الماضية نظير الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها بلاده، فجاءت أزمة اللاجئين السوريين فرصة من ذهب للأتراك حتى يستغلوها كل الاستغلال سياسياً واقتصادياً ويجنون من وراءها المال الأوروبي.
ذهب الأتراك إلى أبعد من هذه الأزمة الإنسانية، وقرروا أن يصبح شمال سورية مستعمرة تركية يسيطر عليها بعض الفصائل السورية المسلحة التي تدعمها تركيا، وهذا القرار يتناسب تمامًا مع مشاريع التقسيم السوري في العديد من مناطق النفوذ التي تتفاوض عليها تركيا وروسيا وإيران في الأشهر الأخيرة من خلال مفاوضات سوتشي، وسيكون هذا إعادة تعريف ديموغرافي وديني من شأنه أن يجعل إردوغان يعزز دوره كممثل ومفاوض قوي في المنطقة أمام القوى الكبرى.
ظلت الحكومة التركية تعمل على الجمع بين الميليشيات التي تقتات على الدعم التركي في الداخل السوري والميليشيات التي تخوض بالنيابة عنها حرباً مع الميليشيات الكردية الحليفة للولايات المتحدة في عفرين، لمنع ولادة دولة كردية مجاورة، وكان من المتوقع أن تقود تركيا معركة في الشمال السوري للسيطرة على قطع من الأراضي السورية، وذلك لإحباط طموحات الأكراد السوريين في نظرهم، مستغله بذلك قضية توفير الأمن الحدودي وعودة اللاجئين القابعين في الحاويات البيضاء داخل أراضيها إلى ديارهم، وهذه الأحداث المتسارعة من سياسات أنقرة تجاه الأكراد في تركيا توحي بوجود مخططات سياسية مدمرة من خلال الاتهامات المتكررة من حزب العدالة والتنمية ضد حزب الشعب الديمقراطي المتهم بأنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني من ناحية، ومحاولات تفاقم الصراع وتعظيم عمل الحكومة تجاهه من ناحية أخرى، بغرض أنها تستجيب للاحتياجات الشعبية والتمسك بإستراتيجية الديمقراطية والاستقرار بدل الإرهاب والحروب، وهذا ما كرره مرارا إردوغان نفسه.
ومن الغريب أن هذه الإستراتيجيات السياسية قد تغيرت وزادت من التوتر الداخلي، وهي بداية الطريق إلى نهاية السلام الاجتماعي داخل تركيا الذي قد ينفجر في أي لحظة بين مكوناته.