أعلنت الحكومة التونسية إثر وفاة قائد السبسي عن عمر 92 عاما الحداد لأسبوع وصدرت الصحف الجمعة باللونين الأبيض والأسود وألغيت كل التظاهرات الفنية، وبدت البلاد في حالة حزن عام وهي تبكي أول رئيس لها انتخب في اقتراع عام وديموقراطي ومباشر عام 2014، وعنونت صحيفة "لوتان" الناطقة باللغة الفرنسية الجمعة "الوداع سيدي الرئيس" وكتبت "حزننا كبير وألمنا شديد"، كما صدرت صحيفة "المغرب" صفحتها الأولى بالابيض والأسود ووضعت عنوان "وترجل الباجي قائد السبسي، نهاية رجل استثنائي".

ونقل جثمان قائد السبسي من المستشفى العسكري بالعاصمة تونس إلى قصر قرطاج بالضاحية الشمالية، وتزامنا مع خروج الجثمان تجمع التونسيون مرددين النشيد الوطني في حين بكى البعض وأدى البعض من قوى الأمن التحية العسكرية لدى مرور الموكب، ويتولى الجيش تنظيم جنازة الرئيس السبت بحضور عدد كبير من قادة ورؤساء الدول والوفود الأجنبية على ما أعلن الخميس رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

وأكدت وزارة الداخلية أنها ستتخذ "احتياطات استثنائية بتسخير كافة الإمكانية البشرية والمادية لتأمين موكب الجنازة في مختلف مراحله، مع الأخذ بعين الإعتبار مواكبة التجمعات التلقائية للمواطنين"، ومن المنتظر أن يشارك كل من الرؤساء الفرنسي إيمانويل ماكرون والفلسطيني محمود عباس في التشييع.

وسيدفن الرئيس في مقبرة "الجلاز" بالعاصمة.

وتستعد تونس، لتجنب شغور في السلطة لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، خلال أقل من شهرين، ما يشكل تحديا وسط مناخ سياسي مشحون، وبعد ساعات من وفاة السبسي، وقد أدى محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب اليمين، ليتولى الرئاسة المؤقتة للجمهورية، كما ينص الدستور.

يستحقون الديموقراطية

انهالت برقيات التعازي إحداها من الرئيس الأميركي دونالد ترمب مشيدة بدور الرئيس المحوري والمهم في "السير نحو الديموقراطية"، وكتب حافظ قائد السبسي، نجل الفقيد على صفحته الرسمية في فيسبوك "الرئيس الباجي قائد السبسي رحمه الله ملك للشعب وكل تونسي من حقه الحضور في جنازته".

وأعلنت الجزائر وموريتانيا وليبيا ومصر والأردن الحداد لثلاثة أيام. وتأتي وفاة الباجي قبيل أشهر من نهاية ولايته آخر العام الجاري، وأمام محمد الناصر الرئيس المؤقت تحد تنظيم الانتخابات خلال مدة زمنية أدناها 45 يوما وأقصاها 90 يوما, وقررت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تغيير أجندة الانتخابات وتقديم الرئاسية إلى 15 سبتمبر مبدئيا، فيما بقيت الانتخابات البرلمانية في موعدها في 6 أكتوبر.

وأثنى العديد من التونسيين على الانتقال السريع والسلس للسلطة، في بلد يواصل مسيرته نحو الديموقراطية رغم التحديات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتهديدات الجماعات الجهادية المسلحة، وكتبت صحيفة "لابراس" الحكومية والناطقة بالفرنسية "التونسيات والتونسيون أمام امتحان صعب ليبرهنوا أنهم يستحقون الديموقراطية وقد نجحوا في امتحان اإقناع العالم بأسره أن تونس بلد ديموقراطي"، ويقول جلال سليماني وهو أحد سكان العاصمة "المهم أن تستمر البلاد بشكل طبيعي، أثر فينا موته ولكن البلاد يجب أن تواصل التقدم".

جدل قانون الانتخابات

وكان الباجي قائد السبسي نقل لأيام في نهاية يونيو إلى المستشفى العسكري بتونس في يوم اهتزت البلاد على وقع هجومين مسلحين لجهاديين بأحزمة ناسفة في منطقتين بالعاصمة قتل خلالها أمني ومدني ما أثار تساؤلات في خصوص هشاشة المؤسسات في البلاد، وأثرت الصراعات الداخلية لحزب "نداء تونس" الذي أسسه الباجي قائد السبسي ونجح به في انتخابات 2014، على مؤسسة الرئاسة، كما يزيد غياب المحكمة الدستورية المشهد السياسي في البلاد ضعفا وهشاشة، فلم يتمكن البرلمان من انتخاب أعضائها بسبب الحسابات السياسية لأحزاب الحكم.

وتولت الهيئة الوقتية للنظر في دستورية القوانين مهام المحكمة الدستورية وأقرت أمس شغور منصب رئيس الدولة، وتكليف رئيس البرلمان محمد الناصر بتولي رئاسة البلاد مؤقتا، ونقح البرلمان القانون الانتخابي الذي أثار جدلا واسعا وقد تقدمت به رئاسة الحكومة ومن شأنه أن يقصي العديد من المنافسين البارزين في المشهد السياسي، غير أن الباجي قائد السبسي لم يوقع على القانون والتنقيحات الجديدة، لأنه لا يريد أن يقصى أحدا من المشاركة وفقا لأحد مستشاري الرئيس، ومن بين الشخصيات التي يمكن أن تقصى من الانتخابات رجل الاعلام القوي نبيل القروي وألفة تيراس صاحبة مشروع "عيش تونسي" المجتمعي. وقد تمت المصادقة على القانون الجديد في 18 يونيو بالأغلبية البرلمانية، ووصفه القروي "بمحاولة انقلاب سياسي". وقال في رسالة وجهها إلى النواب "لن أتخلى عن التزاماتي تجاه الفقراء وحقي الدستوري وحتى واجبي الأخلاقي في الترشح".