ولتحقيق مناط هذه الشخصية الفذة فلا بد من إدراك مقاصد الشريعة وتفعيلها، فالبحث في «المقاصد» مطلب شرعي، حيث فهم القرآن من سياقين، أولهما صريح وثانيهما بالتلميح، فمن صريحه قوله تعالى: (ألا له الخلق والأمر)، ومن تلميحه تعليله للأحكام وإبراز الحكمة والمصلحة في نصوص القرآن لينبه عن المقاصد ويربي الأمة على البحث عنها كما في القياس عند الأصوليين.
وقد عبر الشاطبي عن ذلك بقوله: (إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل)، والشريعة والعقل كافيان في تقرير المصلحة، حيث قال العز بن عبدالسلام (معظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروفة بالعقل، وذلك معظم الشرائع)، ويقول الطوفي (الفعل إن تضمن مصلحة مجردة حصلناها، وإن تضمن مفسدة مجردة نفيناها، وإن تضمن مصلحة من وجه ومفسدة من وجه، فإن استوى في نظرنا تحصيل المصلحة ودفع المفسدة توقفنا على المرجح، أو خيرنا بينهما، وإن لم يستوِ ذلك بل ترجح أحد الأمرين فعلناه؛ لأن العمل بالراجح متعين).