مفاعل بوشهر هو أول مفاعل نووي مخصص للطاقة النووية في إيران وفي الشرق الأوسط، يعمل بالماء الخفيف المضغوط، وطاقته الإنتاجية 1000 ميجاواط، وقد تم البدء ببنائه في 1975، ولكن بعد 4 سنوات، وعند اكتمال 85% منه حصلت الثورة الإيرانية، مما أدى إلى توقف العمل في المفاعل، وانسحاب الشركة الألمانية «كرافت ويرك» المنفذة له بعد ذلك.

وخلال الحرب الإيرانية العراقية، شنّت القوات الجوية العراقية عدة غارات على المفاعل، وتدمر جزء كبير منه، وبعد الحرب قررت إيران الشروع في تكملة بناء المفاعل، وإصلاح ما لحق به من ضرر، ووقّعت مع روسيا في تسعينات القرن الماضي لتتولى إعادة بنائه.

وأولى العقبات التي واجهت الروس، هي التصميم الأوروبي للمفاعل، والذي يختلف تماما عن الطراز الروسي، فبدأ الروس التعديل عليه، فأصبح كالمفاعل الهجين، وقد أشار أحد التقارير الفنية إلى أن 24 % من أجزاء المفاعل ألماني، و40 % روسي، و36 % إيراني.

التقنية الروسية للمفاعلات ليست بمواصفات وقوة نظيراتها الأوروبية أو الأميركية، ولا حتى الكورية. وقد تخلل عملية الإصلاح والبناء عدد من المشكلات بسبب هذا الاختلاف، واستغرق العمل عليه حوالي 15 سنة، أي 4 عقود تقريبا منذ بداية إنشاء المفاعل حتى اكتماله في 2011، والتكلفة المقدرة لمفاعل بوشهر هي 11 مليار دولار، ويعد من أغلى المفاعلات «المفاعل النووي الإماراتي كلف تقريبا 6 مليارات دولار وبطاقة إنتاجية تبلغ 1400 ميجاواط».

من الناحية العسكرية، لا يشكل مفاعل بوشهر أي تهديد أو خطر لاستعماله في دورة السلاح النووي، إذ إن الوقود المستهلك من المفاعل سيعاد إلى روسيا، وبالتالي لا مجال لاستخلاص البلوتونيوم منه، لذلك لا يوجد ذكر لمفاعل بوشهر في اتفاق إيران النووي مع دول 5+1، ولكن هناك مخاوف تتعلق بسلامة المفاعل وبالتالي سلامة المنطقة، إذ إن الإشكال الكبير يكمن في موقع المفاعل، فالمفاعل موجود في منطقة زلزالية، وهناك تضارب في التقارير التي تُقدّر تحمل المفاعل للزلازل، إذ تزعم وكالة الطاقة الإيرانية أن المفاعل قادر على تحمل هزة أرضية تصل قوتها إلى 8 ريختر، بينما تتحدث تقارير الشركة الروسية عن قدرته على تحمل 6.7 ريختر، ويبدو أن هذا التضارب يعود إلى كثرة التعديلات التي طرأت على المفاعل.

لقد جاء اختيار موقع بوشهر باقتراح من إحدى المؤسسات الأميركية، وذلك لقربه من البحر، وبالتالي يوفر سهولة في الشحن وتقليصا في التكلفة، مع إمكان استخدام المياه في تبريد المفاعل، وعموما تعد هذه أهم أسباب تفضيل مواقع المفاعلات بالقرب من مصادر المياه. ولكن وجوده على ساحل الخليج قد يعرض المنطقة بأجمعها للخطر، فحركة مياه الخليج عكس عقارب الساعة، واتجاه رياحها جنوبية غربية، أي من جهة إيران إلى منطقة الخليج. وعند حدوث أي خلل في مفاعل بوشهر يؤدي إلى تسرب للإشعاعات، فإن الرياح وتيارات المياه ستحمل الملوثات المشعة إلى شواطئ دول الخليج وأراضيها.

وهناك 3 سيناريوهات محتملة قد تتسبب في تسرب الإشعاعات من مفاعل بوشهر:

أولا: نشوب صراع عسكري في المنطقة يؤدي إلى ضرب المفاعل، وهذه الحالة تختلف عن سابقتها عندما ضربت القوات العراقية المفاعل، إذ إن المفاعل الآن يعمل وبه وقود نووي، أما في السابق فكان قيد الإنشاء، فلم تتضرر المنطقة إشعاعيا جراء قصفه.

ثانيا: هزة أرضية تتجاوز 8 ريختر تضرب منطقة المفاعل، فالكوارث الطبيعية واردة، ولم تسلم منها مفاعلات فوكوشيما اليابانية، ففي 2013 ضرب زلزال بقوة 7.7 ريختر منطقة بوشهر، وتشير التقارير إلى أنه تسبب في تصدع الجدران الإسمنتية للمفاعل دون أي مخاطر على سلامته.

ثالثا: خطأ بشري يؤدي إلى كارثة نووية كما حصل في تشيرنوبل

الطاقة النووية تعد من أكفأ مصادر الطاقة التي يمكن الاعتماد عليها، ولكنها في الوقت نفسه من أشدها ضررا في حوادثها.

من حق إيران أو أي دولة استخدام هذه الطاقة، ومن حق دول الخليج المجاورة المطالبة بضمانات دولية، وتطمينات من جهات محايدة كالوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان سلامة دولهم من أي كوارث محتملة من مفاعل بوشهر.

إلى الآن لا يوجد أي منها، حتى إن إيران هي الدولة الوحيدة التي تستخدم مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة، ولم تنضم إلى اتفاقية الأمان النووي التابعة للوكالة، والمعنية بضمان سلامة المنشآت النووية.

صحيح أنها عضو في معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، ولكن تركيز هذه المعاهدة منصب على عدم تحويل البرنامج النووي السلمي إلى عسكري، وليست له علاقة بسلامة المفاعلات النووية.

ما يهمنا هو سلامة الخليج من أي حادثة أو خلل قد يصيب مفاعل بوشهر، وهذا مبرر إذا نظرنا إلى وضع المفاعل وما مر به من إشكالات فنية، ولا تلام دولنا على مخاوفها من المفاعل، إذا علمنا أنه بعد حادثة فوكوشيما، قررت دول مثل ألمانيا البدء في الإغلاق التدريجي لمفاعلاتها النووية، تحسباً لأي مخاطر محتملة، وهي دول متقدمة تقنيا. وقد عبّرت المملكة في أكثر من منبر، وعلى لسان أكثر من مسؤول، عن قلقها إزاء ما يشكله مفاعل بوشهر من مخاطر بيئية وصحية محتملة.

المفاعل كلّف إيران كثيرا من الأموال والعقوبات، مع أنه لا يغطي إلا 2 % من استهلاك الكهرباء فيها، بينما 15 % منها يضيع بسبب ضعف صيانة بنية الكهرباء التحتية، ولكن رمزيته كمفخرة للتقدم التكنولوجي بالنسبة للإيرانيين تعد مسألة مفصلية في بقائه، هذا ما أثبتته إحدى الدراسات الميدانية، إذ وجدت أن معظم الإيرانيين المشاركين في الدراسة، يفضلون استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي للأغراض السلمية، والمفاعل جزء رئيس فيه، ولكنه في الوقت نفسه مؤرق لدول الخليج.

إن ما يتوجب على دول الخليج فعله هو مطالبة إيران بالانضمام إلى اتفاقية الأمان النووي، وإعداد خطة طوارئ إشعاعية خاصة لمواجهة السيناريوهات المحتملة لمفاعل بوشهر، وهناك حل آخر جذري ـ من وجهة نظري ـ وهو العرض على إيران بالتكفل بنقل مفاعل بوشهر من موقعه الحالي إلى العمق الإيراني أو على بحر قزوين، على أن تتحمل دول الخليج تكلفة بناء المفاعل الجديد، وبهذا تضمن دول الخليج سلامة المنطقة، وتضمن إيران الحصول على مفاعل بديل.