تتوالى المنجزات ويستمر البناء والعطاء للصرح الوطني في جميع مقدراته، لتتبلور آمالنا وأحلامنا -يوما بعد يوم- إلى نجاحات نلمسها وأحداث نعيشها.

آمال كنا نتطلع إلى تحقيقها، ونسعى إلى تجسيدها فنجدها حيّة بيننا، وأحلام تراودنا في تغيير واقع يلامس إشكالات وتعقيدات نعيشها في ممارساتنا اليومية والمجتمعية المختلفة، نجدها تحققت، وذلك في ظل تحديات واجهتنا كمجتمع مميز بعاداته وتقاليده، وقيمه ومبادئه، والتزامه الديني الخاص، وكأفراد يختلفون في ثقافاتهم وتعليمهم وبيئاتهم المحيطة، ويتمايزون في طبيعة معتقداتهم الأُسرية، وفي مستوى تقييمهم، وآلية تعاملهم مع كثير من مفردات وأحداث حياتنا اليومية، بما تحويه من مبادئ وأساسيات ترسم وتحدد منهج حياة، ومعالم مميزة، توجهنا في التعاملات العامة والخاصة.

وعلى الرغم من أن ذلك الاختلاف في المكوّن المجتمعي، يُعدّ إثراءً فكرياً وأيدلوجياً لثقافة المجتمع وتركيبته الوطنية، بما يحمله من رؤى متباينة، وأفكار مختلفة في كثير من القضايا المجتمعية، إلا أنه كان سببا في تعسر ولادة كثير من القرارات الوطنية التي تلامس حاجات الناس وتطلعاتهم.

فبينما تتفق توجهات تلك التشريعات والأنظمة مع شرائح معينة من المجتمع، وتخدم رؤاهم في قضايا، نجدها في الآن نفسه، قد تتعارض وتكون حجر عثرة تحول دون تحقيق تطلعات ومطالب مختلفة، لشرائح أخرى، ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان، إمكان تلبية تطلعات مختلف طبقات المجتمع وشرائحه بالنسق ذاته من التوافق.

وعليه، فإن القرارات العليا السيادية تكون هي الفصل والحكم في ترجيح الصالح الوطني للمجتمع بمختلف مكوناته ومقدراته العامة، والتي تعدّ ضمن مسؤوليات الدولة في تنظيم إدارتها وتحديد مسؤولياتها من جهة، ومسؤولية أفرادها ومواطنيها من جهة أخرى، بما يخدم المصلحة العامة والخاصة في قضايا الشأن الوطني ومستلزماته، وبما يواجهه المجتمع من تحديات مختلفة، وذلك باعتبار أن الوطن جزء لا يتجزأ من منظومة عالمية تتبادل المنافع والمصالح بينها، فلا بد من السير مع الركب حتى لا يفوتنا القطار، أو نتعثر في اللحاق به.

ولعل تمكين المرأة، كان أحد أكثر العقبات التي واجهت تفعيل بعض الأهداف التي تضمنتها خططنا التنموية السابقة، ورؤية 2030 لاحقا، والتي وضعت نهجا إستراتيجيا مفصلا لكل متطلبات التمكين المعنيّ بالمرأة، وغيره من الأهداف الإستراتيجية التي ما زلنا نسير قُدما في تحقيقها، للتحول من أهداف وخطط مكتوبة، إلى منجزات ملموسة وتشريعات نافذة.

لا ننكر أن تمكين المرأة قد حصدنا فيه الكثير وطنيّا، منذ عقود، وما نحصده اليوم إنما هو امتداد لمنجزات سابقة، وذلك بفضل من الله، ثم بفضل قيادات حكيمة واعية تحملت مسؤولية إدارة شؤون البلاد. فكان الاهتمام بتعليم المرأة يمثل بدايات التنمية الوطنية المعنية بالمرأة وحاجاتها، لكونه السلاح الأساس نحو التمكين الذاتي والميداني، بالتوظيف والتأهيل والعمل، في حين كفل لها الشرع حقوقها الأُسرية وما يتعلق بها من متطلبات مشروعة ومستحقات، يضمن لها تنفيذها في ظل دولة تحتكم إلى الشرع وتقتضي به.

لا يفوتنا أن ابتعاث المرأة لاستكمال تعليمها كان حُلما، وأن تتعلم المرأة في تخصصات مختلفة لتعمل في مجالات مختلفة أخرى غير التدريس والتطبيب، كان حُلما كذلك، وأن تشارك المرأة بفاعلية في معظم الميادين العامة والخاصة والفرص المختلفة المتاحة، كان حلماً وأملاً هو الآخر، وأن تتمكن المرأة من قيادة السيارة في مجتمع محافظ تتنازعه الرؤى المختلفة والتعقيدات الاجتماعية، كان حلماً يراودنا كذلك، فهل نصدق أن جميع ذلك أصبح حقيقة نعيشها وواقعا نشهده؟! ننعم بفوائده ونسعد بتحصيله وبمشاهدته حولنا!.

أما التعديلات الأخيرة التي طالت أنظمة وثائق السفر والأحوال المدنية ونظام العمل والتأمينات الاجتماعية، فهي حصدت قمة التمكين المطلوب للمرأة في استرجاع حقوقها التي سُلبت منها لعقود، بحكم الرؤى الاجتماعية والعادات والتقاليد ومرحلة التعقيد الديني والتشدد، الذي وافق تلك الرؤى المظلمة والمعقدة نحو المرأة، وأثّر بدوره على مضمون اللوائح والتشريعات الرسمية، لتخدم تلك التوجهات والأفكار التي لا تمتّ إلى الدين، بل وتُعقّد إجراءات كثير من شرائح المجتمع من النساء، اللاتي يجدن عقبات مختلفة في إتمام معاملاتهن الرسمية أو تسيير شؤونهم الخاصة، في ظل ذويهم لأسباب مختلفة وظروف متغيرة.

يعيش المجتمع بصفة عامة، والنساء خاصة، عُرسا وطنيا رائعا ومُبهجا، عُرسًا طالما انتظرناه، حدثًا كثيرا ما تابعنا تفاصيل أحداثه لنجده واقعا، أسهمنا -بفضل من الله- في الدفع إليه بناء على إيماننا بحاجتنا إليه كنساء متعلمات عاملات، وكربات بيوت، يلزمهن الحرية والاستقلال في أخذ القرار وتنفيذه، لحاجات مختلفة وظروف متباينة، وفي إطار الثقة المتبادلة والاحترام المطلوب، قرارًا صدر من مجلس الوزراء، وبرئاسة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده -سلّمهما الله- يعدّ تتويجا لما يتعلق بالمرأة من قرارات خاصة بتمكينها، قرارًا أعطى للمرأة مستحقاتها، ثقةً فيها واحتراما وتكريما لها، وما ذلك إلا امتدادٌ لمسيرة من العطاءات والامتيازات التي استحقتها المرأة المواطنة بمنجزاتها وتميزها، فحصلت عليها.

نعترف بأن الرضا والفرح لم يشملا الجميع، وذلك طبيعي، باعتبار الاختلاف الموجود بين شرائح المجتمع لأسباب مختلفة، فيصنفون بين داعم ومؤيد، وبين متخوف وحذر أو معارض، ولكن مما يجدر التنويه إليه والتذكير به، أنه طالما أن هناك شرائح من المجتمع مستفيدة منه في تخطي مشكلاتها، وبما يمكنها من الإسهام في التنمية الوطنية بصورة أو بأخرى، فذلك من الأمور التي تثلج الصدر وتدعو إلى الفرح بمنجزاتنا في تمكين المرأة، والتي أصبح يشار إليها بالبنان. إذن، أليس ذلك إنجازا وطنيا كبيرا يستحق الإشادة المستمرة، بل والوقوف تحية وتقديرا لقادته وداعميه ومسؤوليه؟!

شكرا لولاة الأمر الذين أدركوا أهمية صدور القرار وسرعة تنفيذه، ليكون هديّة لنساء الوطن بمناسبة عيد الأضحى المبارك. شكرا لكل من أسهم في خروج هذا القرار إلى النور ليكون واقعا نعيشه، والشكر والامتنان والتعظيم -من قبل ومن بعد- لله تعالى الذي منّ علينا وأكرمنا بأن نكون مواطنين في هذا الوطن المعطاء.