أعادت ظاهرة إطلاق النار الجماعية في الولايات المتحدة، وتزايد الوفيات الناجمة عن عنف السلاح مجددا الجدل حول قوانين امتلاك الأسلحة في أميركا، والعلاقة الفريدة للدولة مع الأسلحة، وضرورة البحث عن منهجية جديدة مع الأسلحة في أميركا.

وعقب الأحداث الأخيرة لإطلاق النار الجماعية في بداية أغسطس بدأت العديد من وسائل الإعلام الأميركية والمواقع الإلكترونية تتساءل عن كيفية السيطرة على انتشار الأسلحة في أميركا، وكبح جماح بعض جماعات البيض.

منهجية جديدة مع الأسلحة

ونشر موقع فوكس vox تقريرا تحليليا لكاتبها لوران كاتز بعنوان "منهجية جديدة مع الأسلحة في أميركا"، استعرض خلاله تداعيات الحادث الآليم، الذي وقع يوم السبت بداية أغسطس، وكذلك أحداث وقعت عطلة نهاية الأسبوع السابقة.

وتساءل كاتب آخر من فوكس هو جيرمان لوبيز، وقال "لماذا يستمر ذلك في الحدوث؟"، وأجاب بنفسه بأن ذلك يعود إلى سهولة وصول أميركا لكميات كبيرة من الأسلحة، وأن الولايات المتحدة هي من بين دول قليلة، التي فيها يكون حق حمل السلاح حقا محميا دستوريا، ولكن العلاقة فريدة من ناحية قاسية أخرى: من بين الدول المتقدمة، فإن الولايات المتحدة هي الأكثر قتلا على الإطلاق بشكل كبير.

مشكلة أميركا مع الأسلحة

ويقول لوبيز إن مشكلة أميركا مع الأسلحة تتأصل في مسألتين، الأولى هي ضعف قوانين الأسلحة في أميركا، على عكس الدول المتقدمة الأخرى التي تطلب على الأقل طلبا أو أكثر للتحقق من خلفية المالك إلى جانب متطلبات إضافية، التحقيق في الخلفية ليس المتطلب الوحيد في الولايات المتحدة، ببساطة: عواقب قليلة جدا تقف أمام الحصول على سلاح في أميركا، فيما المسألة الثانية هو أنه لدى الولايات المتحدة مخزون كبير من الأسلحة أكثر بكثير من أي دولة متقدمة أخرى.

ذوي البشرة البيضاء

وفي تقرير تحليلي آخر على موقع نيوزويك newsweek حاولت الكاتبة نيكول قودكايند الإجابة على سؤالها بعنوان "هل سيسمح السياسيون خبراء مكافحة الإرهاب، بمراقبة القوميون ذوي البشرة البيضاء، مثل ما فعلوا مع المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر؟.

وتقول الكاتبة إن الرئيس دونالد ترمب تعهد في يوم الاثنين بأن يُعطي مسؤولي تنفيذ القانون بالولايات المتحدة "كل ما يحتاجونه"، كي يحاربوا التصاعد المؤخر في الإرهاب المحلي، الذي يرتكبه القوميون من ذوي البشرة البيضاء، ولكن ما هو مطلوب لمحاربة الكراهية العنيفة، التي تسببت في 22 حالة وفاة في عطلة نهاية الأسبوع في إلباسو، تكساس.

محاربة القومية البيضاء

وتضيف أنه منذ الهجمات الإرهابية 2001 على أرض الولايات المتحدة، لقد كرّست الحكومة الفيدرالية موارد واسعة ومبالغ مالية ضخمة، من أجل محاربة الإرهاب الإسلامي، عبر قانون باتريوت الذي تم فرضه تحت رئاسة جورج دبليو بوش، والذي يعطي الوكلاء الفيدراليين السلطة القانونية للتنصت أو التخفي بسرية على الإنترنت من أجل البحث عن الإسلاميين المتطرفين، ولكن لم يتم تخصيص نفس الموارد والحقوق القانونية من أجل محاربة القومية البيضاء.

مشكلة التحكم بالأسلحة

وتقول نيكول إن عدد الأشخاص الذي قُتِلوا في الهجمات بسبب اليمين المتطرف، وبسبب المتطرفين الإسلاميين منذ 2002 تقريبا عدد متساو بين 109 إلى 104، وذلك وفقا للبيانات من خلية التفكير New America. مشكلة التحكم بالأسلحة حاليا تجتاح الساحة السياسية الأميركية، ولكن ستة مدراء سابقين في مجلس الأمن القومي لمحاربة الإرهاب يقولون بأن الولايات المتحدة كذلك تحتاج إلى أن تعيد النظر في كيفية إنفاقها المال على محاربة الإرهاب، وأن تقوم بتحويل الموارد نحو أفعال الإرهاب المحلي التي يرتكبها القوميون من ذوي البشرة البيضاء وبشكل سريع.

محاربة الإرهاب المحلي

وقال المدراء السابقين في مجلس الأمن القومي الستة في بيان مشترك "نطالب حكومتنا بأن تعالج هذا النوع من الإرهاب كأولولية عليا مثل محاربة الإرهاب العالمي، الذي قد ظهر منذ 11 سبتمبر"، وتابع البيان "وهذا يعني كذلك توفير كمية ضخمة من الموارد لدعم البرامج الفيدرالية والمحلية، التي تستهدف منع الإرهاب والعنف بجميع أشكاله، الذي تكون دوافعه أي أيديولوجية معينة أو يكون موجها في أي مجتمع أميريكي، نحن ببساطة لم نعد نستطيع الانتظار أكثر"، كما استكملت الرسالة.

عنف سيادة البيض

ويقول مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية في أغسطس الماضي أن "غالبية قضايا الإرهاب المحلي، التي حققنا فيها يكون دافعها نفس ما قد تسميه بعنف سيادة البيض" قبل معظم الهجمات المؤخرة.

وتساءل مارتن ر. ستولر محامي الحقوق المدنية بنيويورك لصحيفة نيويورك تايمز"إذا قاموا بنفس ما قاموا به مع المسلمين، بأن يقولوا بأن كل شخص من ذوي البشرة البيضاء هو إرهابي محتمل"، واستدرك ولكن "لا تستطيع القيام بذلك مع الأشخاص من ذوي البشرة البيضاء، ستكون ردة الفعل شنيعة".



مقارنات في عدد الوفيات


في موقع National Public Radio يتحدث الكاتبان نوريث الزينمار ومارك سيلفر في مقال مشترك بعنوان «كيف هي الولايات المتحدة مقارنة بالدول الأخرى، من ناحية الوفيات الناجمة عن عنف السلاح»، استعرضا بالقول أن الولايات المتحدة تقع في المعدل الـ28 الأعلى من حيث الوفيات الناجمة عن عنف السلاح في العالم «4.43 وفيات لكل 100.000 شخص في 2017»، أكثر بكثير، مما نراه في الدول الغنية الأخرى.

مقاطعة كولومبيا

في مقاطعة كولومبيا يبلغ المعدل 16.34 لكل 100.00، وهو المعدل الأعلى في الولايات المتحدة في لويزيانا، في حين يبلغ المعدل 10.68 لكل 100.000 في تكساس وأوهايو، حيث مشهد حادثتي إطلاق النار الجماعية في بداية أغسطس يجعل المعدلات قريبة من المتوسط الوطني: 4.74 لكل 100.000 في تكساس و4.60 في أوهايو. ويضيف الكاتبان أن المعدل الوطني لعنف السلاح في أميركا أعلى من المعدل في أيٍ من الدول ذات الدخل المنخفض، طبقاً للتقرير السنوي الأحدث عن عنف السلاح من معهد القياسات الصحية والتقييم بجامعة واشنطن، الذي يتتبع الأرواح التي يتم خسارتها في كل قرن، وفي كل سنة، والأسباب الممكنة للوفاة.

لوحة وردية لبقية العالم

ويقول الكاتبان إن إحصائيات 2017 ترسم لوحة وردية لبقية أرجاء العالم، حيث نجد أن الوفيات من عنف السلاح نادرة حتى في العديد من الدول التي تعتبر شديدة الفقر مثل بنجلاديش، التي شهدت 0.07 وفيات لكل 100.000 شخص، فيما تسجل الدول الآسيوية المزدهرة مثل سنغافورة واليابان معدلات أقل، بالرغم من أن بريطانيا وألمانيا تقريبا في نفس المستوى.

عنف السلاح مشكلة أكبر

ويقول علي مقداد بروفيسور في الصحة العالمية وعلم الأوبئة في معهد القياسات الصحية والتقييم «من المثير للدهشة بعض الشيء أن دولة مثل دولتنا يجب أن تكون بهذا المستوى من العنف»، ويضيف «إذا قمت بمقارنتنا بالدول الغنية الأخرى، فإننا بالفعل بارزين».

ويرى مقداد أن هنالك دول قليلة يكون فيها عنف السلاح مشكلة أكبر بكثير، مقارنة بالولايات المتحدة، خصوصا في أميركا الوسطى والكاريبي، وأن الدافع الرئيسي هو التواجد الكبير للعصابات وتهريب المخدرات، ويتابع «العصابات ومهربو المخدرات يتحاربون بين أنفسهم كي يحصلوا على أراضي أكثر».

إفريقيا جنوب الصحراء

ويضيف مقداد أن معدل وفيات عنف السلاح في الولايات المتحدة كذلك أعلى من المعدل الموجود تقريبا في جميع الدول في إفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك العديد من الدول التي تعتبر من بين الأشد فقرا في العالم.

كما قدّر معهد القياسات الصحية والتقييم ما الذي قد تتوقعه من معدل الدولة في وفيات عنف السلاح، على أن يكون مستندا بشكل حصري على حالتها الاقتصادية الاجتماعية، ومن هذه الناحية، يجب أن تشهد الولايات المتحدة 0.46 وفيات فقط لكل 100.000 شخص "وهذا معدل قابل للمقارنة في كندا، التي فيها يبلغ المعدل 0.47 وفيات لكل 100.000".

ولكن بدلا من ذلك، المعدل الفعلي للولايات المتحدة هو 4.43 وفيات لكل 100.000، الذي يبلغ تقريبا أعلى بعشرة أضعاف، كما أنه أعلى بـ29 ضعفا، مقارنة بالدنمارك الذي يبلغ المعدل فيها 0.15 وفيات لكل 100.000.