عندي ألم يا دكتور في بطني، الطبيب: تحتاج فورا تحليل صورة الدم، وكيمياء الدم وتحليل براز. ثم قال الطبيب على استحياء ومكر معا: وتحتاج تحليل بول وإشاعة للصدر!.

مشهد مألوف في عيادات المراكز والمستشفيات الخاصة، وهذا المشهد أسميه «مشهد الحَلْب الصحي»، والحَلب هو استدرار ما بداخل الشيء، وهنا استدرار المال من جيب المسكين!.

هذا المشهد -على سبيل المثال- يتكرر كثيرا ولعلك أخي القارئ -من كثرة ما عاصرته- تراه طبيعيا، وسأخبرك عن الذي خلف الكواليس.

هذا المريض -السلعة الرابحة- يعاني ألما في البطن، ونحن نعرف طبّيًا أن تشخيص المرض يعتمد بنسبة 70% على سؤال المريض وأخذ حالته «القصة المرضية»، وأن 20% يعتمد على مباشرة فحص المريض جسديًا، وأما هذه التحاليل الباهظة التي «قفز» إليها هذا الطبيب المحتال، فلا يُعتمد عليها طبّيًا في التشخيص إلا بما نسبته 10% «وهذه قاعدة طبية عالمية معروفة».

وسأظهر ما وراء الكواليس أكثر لهذا المريض الذي اتخذناه مثالا. ألم البطن لا علاقة له مباشرة بشكل عام بأشعة الصدر ولا بتحليل بول ولا حتى بكيمياء الدم ولا حتى بصورة الدم، فالأمر لا يحتاج أكثر من تحليل براز لا يستحق أكثر من 30-50 ريالا، وهذا كحال مبدئي بعيدا عن التعمق الطبي والحديث عن العلاقات غير المباشرة، كآلام الكبد أو البنكرياس أو غيرها. إذ القاعدة أن التعامل مع الحالات مبدئيّا، يكون باعتبارها حالة من الحالات الشائعة Common is come in، ولا يتطرق إلى الحالات النادرة في البداية إلا طبيب ضعيفٌ علميّا، أو حلّاب تجاريًا.

فهذا الطبيب لم يسأل مريضه حتى هل يعاني قيئا أو إسهالا، أو حتى عن موقع الألم في البطن -أسئلة أبجدية يعرفها الأطباء- إلا أن صاحبنا «الطبيب الحلّاب» هذا اتجه مباشرة إلى التحليل، لجلب أكثر ما يمكن من المال!.

وأنا لا أخاطب المستشفيات الخاصة بهذا المقال، فبعضها أقرب ما يمكن من الهدف المادي البحت، وتضخيم رؤوس الأموال، حتى أصبح بعضهم -دون ذكر أسماء- كالسرطان الخبيث متفرعا، حتى افتتح كليات تابعة له.

المهم، كلامي ليس موجّها لهؤلاء، إنما أوجّهه للجهات المعنية، ولعل مديريات الصحة في المملكة تحذو حذو مراكز أخرى، في استئصال كثير من الأورام الخبيثة التجارية، التي تستغفل الناس وتنهب ما في جيوبهم بحجة التداوي!.

وختامًا، فإني أوصي إخوتي القراء، بالفرار من المستشفيات والمراكز الخاصة قدر الإمكان، وإن كان الحال يستوجبها أحيانا إلا أن المجال الصحي لدينا خلال هاتين السنتين متقدم كثيرا عن ذي قبل، واعلموا أن جهاز تحليل واحد في منشأة حكومية يعادل وحده قيمة بناء وتجهيز ورواتب مركز خاص كاملا، فاستمسكوا بمنشآت الدولة التي لا تطلب منكم ريالا ولا دولارا، والتي يتفانى ممارسها الصحي بشكل عام لخدمة مريضه، وأقول مؤكدا: احذروا المستشفيات الحلّابة أقصد بعض الخاصة. ودمتم بصحة.