ما إن تتحدث مع أحد إخواننا السودانيين عن الأوضاع الانتقالية والسياسية في بلاده، حتى يتحول الحديث من الجانب السياسي إلى الجانب الاجتماعي دون أن تشعر. فتجد مثالا مختصرا عرض في أحد البرامج التلفزيونية الواقعية، حينما ذهب المذيع الذي يغطي ملامح وجهه، ويحمل علم دولة خليجية، إلى ذلك السوداني الذي يعمل على غسيل سيارته الأجرة.

وطلب هذا الإماراتي مساعدة ذلك الرجل السوداني، فما كان منه إلا أن أدخل يده في جيبه، وأخرج ما يملك من المال في تلك اللحظة، وأعطاه بغض النظر عن جنسية الشخص الذي يطلب المساعدة، أو الصورة النمطية لوضع مواطني تلك الدولة الخليجية التي تغطي مساعداتها أرجاء العالم.

أكمل المذيع تلك الحلقة، وانتشر ذلك المقطع في مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يجد استغرابا مما قام به من يمثل أخلاق السودانيين، وكأن كل من شاهده يقول هذا ما كان متوقعا من الغالبية العظمى لأي سوداني أو سودانية في أي موقع في هذا العالم الفسيح.

فإن كتب لك الله أن تغترب في أي دولة متحضرة أو غيرها، وتعرفت على سوداني هناك، فبالمختصر قد تعرفت على الجالية السودانية بأكملها في تلك البقعة، لأن من يعمل في مهنة صغيرة، يجتمع مع أكبر المناصب في تلك الجالية على وجبة مختصرة، ودون أي طبقية، وما دام أنك حللت ضيفا على أحدهم فأنت ضيف على الكل منهم، وسيساعدك بدون شرط أو قيد، فقط لأنك قد قابلت قلبا حنونا يحب لك الخير على أقل تقدير إن لم يستطع تقديم الخير لك.

أما بالعودة إلى الأوضاع الحالية في السودان، فباختصار تجد أن العالم غير منشغل بشكل جدي ولم يحشر نفسه كما جرت العادة في كل صغيرة وكبيرة تخص غيرهم.

وكأن لكل فرد في هذا العالم أب أو أم من السودان، من جميل أخلاقهم ومن عظيم ما قاموا به مع كل شخص يعرف أحدا منهم تقريبا، فتجد أن الناس حول العالم يتعاملون مع الأحداث هناك باختلاف عن باقي الأحداث التي تجري في بقية العالم.

وكأن داخل كل منا شيء سينكسر لو كُسر السودان، ولو جبرت الأحداث عندهم فبالتأكيد أنه سيُجبر شيءٌ ما بداخلنا.