هل تلوح في الأفق ملامح تحولات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان في سياساته، سيما تجاه القوى العظمى في المنطقة، منها المملكة العربية السعودية، وما أسباب هذه التحولات؟ تعاني تركيا من أمور عدة، أهمها الانهيار الاقتصادي الهائل، فالليرة التركية فقدت أكثر من 65%‬ وهوت إلى 5‪.‬6 مقابل الدولار الأميركي، بينما كانت 2‪.‬3 مقابل الدولار الأميركي عند وصول إردوغان وحزبه إلى سدة الحكم الرئاسي 2014‪‬. تعاني تركيا أيضا من المكانة السياسية، إذ لا تحمل أي ثقل يعزز حضورها السياسي، وهو ما شاهده الجميع في مواقف كثيرة، آخرها اجتماع دول G20 الماضي، الذي شهد شبه تجاهل من قِبل كبار الزعماء، مقابل حضور قويّ لولي العهد السعودي، رغم أن حضور سموه كان بالنيابة عن خادم الحرمين الشريفين. لقد فشل إردوغان في عدة معارك، منها معركة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومعركة الزعامة الإسلامية في الربيع العربي، ومحاولته احتواء جماعة الإخوان الإرهابية. فشل أيضا في قضية سورية، وفي توظيف قضية خاشقجي، وتسبب في ضرب العلاقات السعودية التركية، مما تسبب في مزيد من انهيار الاقتصاد التركي كما سيأتي. معضلة إردوغان تكمن في نزعته العميقة لبناء تركيا السلطانية، والاستماتة في الظهور بمظهر زعيم الدول الإسلامية، غير أن الزعامة تتطلب القوة في 3 محاور، هي: الثقل الاقتصادي، والسياسي والعسكري، وجميعها تُظهر ضعفا واضحا، بما فيها الجانب العسكري الذي تتركز قوته في الداخل وحسب!. تركيا تعتمد السياحة موردا أساسيا للدخل في البلاد، غير أن هذا المورد بدأ في الاختلال، من خلال إصدار بعض البلدان نصائح لمواطنيها بشأن السفر إليها. ففي 9 أبريل 2016، وبسبب «التهديدات الموثقة» للعنف، أصدرت الولايات المتحدة تحذيرا لمواطنيها بالامتناع عن زيارة المناطق السياحية الشهيرة. وفي 15 يوليو من العام نفسه، منعت الخارجية الأميركية شركات الطيران الأميركية من السفر من وإلى تركيا، وذكرت السفارة الأميركية في تركيا أن الأمن في مطار أتاتورك بإسطنبول «تقلص إلى حد كبير»، ونصحت الخارجية الأميركية مواطنيها بإعادة النظر في السفر إلى تركيا. وأعلنت ألمانيا في 9 مارس 2019، تحذيرات شديدة لمواطنيها المسافرين إلى تركيا، وحذرت من إمكان اعتقالهم في تركيا. وزارة الخارجية الهولندية حذّرت رعاياها ونشرت بيانا على موقعها الإلكتروني في مايو 2019، من أن هواتفهم وأجهزتهم الإلكترونية يمكن مصادرتها في تركيا في حالات معينة. يذكر أن هذا هو التحذير الثاني الهولندي بعد تحذير سابق في مارس 2017.‬ وفي مطلع هذا الشهر، أصدرت السفارة الإماراتية لدى أنقرة تحذيرا لمواطنيها الموجودين في تركيا، أكدت على ضرورة إلغاء شريحة خطوط هواتفهم النقالة التركية قبل مغادرتهم البلاد. وفي تحذير مشابه صدر عن السفارة الكويتية في تركيا، لمواطنيها، أشار إلى «ضرورة التأكد من إلغاء شريحة خطوط الهواتف النقالة قبل المغادرة، حتى لا يتم استخدامها من آخرين في معاملات مشبوهة وغير قانونية، تعرّض للمساءلة القانونية». وفي السعودية، سجّلت الجهات الرسمية، كالسفارة السعودية في تركيا والغرفة التجارية بالرياض، وغيرهما، 5 تحذيرات لمواطنيها من مخاطر معينة في السياحة والاستثمار في تركيا. وسجلت أيضا في السعودية تراجعات شعبية كبيرة من المواطنين إلى تركيا، وملاك العقارات والمستثمرين، أفرادا ومؤسسات تجارية، ولوحظ أيضا عزوف شعبي سعودي عن المنتج التركي. وعلى الجانب الانتخابي، مُني رجب طيب إردوغان بانتكاسات مذهلة في الانتخابات المحلية، بخسارة حزبه الحاكم «العدالة والتنمية» السيطرة على العاصمة أنقرة، للمرة الأولى، منذ تأسيس الحزب عام 2001، وكذلك خسارة الانتخابات البلدية في إسطنبول، أكبر مدن البلاد، بفوز مرشح المعارضة أكرم أوغلو في الانتخابات البلدية، للمرة الأولى، منذ عقود من هيمنة حزب إردوغان، مما يعد ضربة كبرى لإردوغان. الفرصة الآن مواتية لإردوغان للعودة إلى الرشد السياسي، لإنقاذ بلاده وتشكيل قوة سياسية واقتصادية ضاربة مع دول المنطقة. وإذا ما أراد ذلك، فإن عليه أن يتخلى عن فكرة الزعامة الإسلامية، فلا أحد زعيم على أحد في المشهد الحضاري المعاصر. عليه أيضا التخلي أيضا عن دعم جماعة الإخوان المسلمين المدرجة في قائمة الإرهاب لدى أكثر من 6 دول. على الرئيس التركي احترام السيادة الشرعية المصرية، واحترام اختيار الشعب المصري لرئيسه، والتخلي عن معاداة مصر، والحرص على صفو العلاقة مع قطبي العالم العربي: السعودية ومصر. أختم بتصريحين عقلانيين من الملك سلمان، وولي عهده: الملك سلمان: حرص المملكة على علاقاتها بتركيا بقدر حرص جمهورية تركيا على ذلك، وأنه لن ينال أحد من صلابة هذه العلاقة. محمد بن سلمان: لن يحدث شرخ مع تركيا بوجود الملك سلمان، وولي عهده، والرئيس رجب طيب إردوغان.