على مدى عدة عقود، مارست الأنظمة الإيرانية المتعاقبة الاضطهاد بحق الشعوب غير الفارسية، والتي تشكل مجتمعة ما يقارب نصف سكان البلاد، معززةً التفوق الإثني وداعمةً ملامح التفوق الاستعلائي الفارسي بحقد، على حساب الشعوب الأخرى في إيران.

وقد أثبتت هذه السياسات أنها ضارة بشكل جدّي للتعليم في أوساط الطلاب من الشعوب غير الفارسية. ومع التعقد الإثني وتعدد الأقليات، سيجد الفرد عددا من اللغات في إيران، منها: الفارسية، الكردية، العربية، التركية، البلوشية، إضافة إلى لغات أخرى مثل لغة شعوب بحر قزوين مثل جيلاكي ومزاندراني، إلا أن المظاهر السلطوية في السياسة التعليمية في البلاد تتجاهل -عمدا- التعددية اللغوية، وتفرض سلطة الفارسية-الإيرانية.

وأخيرا، أعلنت رضوان حكيم زادة، نائبة وزير التعليم والتربية في القسم الابتدائي بإيران، أن وزارتها ستقيّم مستوى جدارة وكفاءة الأطفال ومستوى فهمهم للغة الفارسية، في إطار خطة شاملة تقيّم سلامة الأطفال دون سنّ المدرسة.

ومن شأن هذا التعديل في برامج التعليم، أن يعتذر قبول الأطفال غير الفاهمين للفارسي في المدارس، ولا يسمح لهم بالحضور في الروضات الحكومية.

وعمليًا، زيادة هذه التدخلات الحكومية في شأن التعليم، ستساعد في سياق تسريع وتيرة القضاء على اللغة الأم للمواطنين من الشعوب غير الفارسية، في إطار عملية الدمج القسري، إذ يحظر على الأطفال من الشعوب غير الفارسية التواصل أو الحديث بلغة أخرى غير الفارسية.

تنتهك إيران القانون الدولي والدستور الإيراني على السواء، ويعدّ ذلك انتهاكا لحقوق الطلاب من الشعوب غير الفارسية في تعليم اللغة الأم.

تنص المادة الـ15 من الدستور الإيراني على أن «اللغة الرسمية والمشتركة في إيران هي الفارسية، وهي اللغة المستخدمة في كتابة المراسلات الرسمية وطباعة الكتب الدراسية، إلا أن التعليم باللغات المحلية وآدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية، واستخدام تلك اللغات في الصحافة ووسائل الإعلام، مكفول لجميع المواطنين».

لكن عمليا، رفضت الحكومات الإيرانية حق الأطفال من الشعوب غير الفارسية في الحصول على ما هو مسموح لهم في الدستور الإيراني.

ثمة أسباب مهمة تدعو إلى القلق فيما يتعلق باللغة التي يتعلم بها الطفل.

بشكل خاص، يلعب التعليم باللغة الأم دورا أساسيا وحاسما في تنمية الأطفال، ويعدّ ذلك عاملا رئيسيا في التطور الفكري بشكل عام خلال مرحلة الطفولة، كما أنه ظاهرة ثقافية تأسيسية ترسم معالم إدراك الأطفال من العالم وما يحيط بهم.

وقد أثبتت البحوث أن الأطفال الذين يتمّ تشجيعهم على التحدث باللغة الأم، يعزز فيهم الثقة بالنفس، ويتمتعون بتقدير الذات، والأمن النفسي.

فاللغة الأم ليست وسيلة تواصل فحسب، بل منصة للتعبير عن المشاعر وتكوين الذاكرة والارتباط الثقافي أيضا.

لكن، يصنف النظام الإيراني تطلعات الشعوب غير الفارسية فيما يخص التعليم باللغة الأم، على أنها تمثل تهديدا للأمن، وتدعم النزعة الانفصالية.

في الواقع، أشار عدد من الشخصيات القيادية في أوساط الشعوب غير الفارسية في إيران، إلى أن السياسة الجديدة تعدّ إبادة لغوية للغات غير الفارسية.

كما أدرك المراقبون الدوليون مخاطر هذه السياسة الجديدة التي تقترحها وزارة التعليم الإيرانية، وعدّت المحامية الأميركية والناشطة في مجال حقوق الإنسان إيرينا تسوكرمان، أن تصنيف الأطفال الذين لا يتحدثون الفارسية بطلاقة، ضمن الأطفال ذوي الإعاقات، يشكل «انتهاكا سافرا لحقوق الإنسان».

وقد أجرى هذا النظام والأنظمة التي سبقته تقييمات نفسية وجسدية للأطفال الذين يدخلون النظام التعليمي لبضع سنوات، إذ يتمّ تصنيف الأطفال حسب وضعهم الجسدي والعقلي، لتقييم ما إذا كانت لديهم احتياجات خاصة تتطلب دعما إضافيا.

وفي حال تم رفض الطفل بحجة عدم إتقان الفارسية، باعتباره معيارا آخر لتصنيف جدارة «بسندكي»، سيصنّف ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة، فهذا يعني نصف عدد الطلاب في إيران ممن يتكلمون بلغة غير الفارسية، يتمّ تصنيفهم على أنهم يعانون إعاقة، على غرار العمى أو الصمم أو التخلّف العقلي.

* محرر «مركز دراسات دورانتاش» القائم في كندا

* معهد واشنطن

تنتهك إيران القانون الدولي ، ويعدّ ذلك انتهاكا لحقوق الطلاب من الشعوب غير الفارسية في تعليم اللغة الأم.