لا أعلم أهي نقمة أم نعمة تلك التي تسمى «رسائل التواصل الاجتماعي»، فكم تساءلت كثيرا ومثلي كثيرون تساءلوا، هل هي قربت أم باعدت بين الناس؟ وهل هي بالفعل تنقل الأحاسيس الصادقة في الرسائل التي تحملها على جناح السرعة بين الناس، أم أنها مزيفة لا بهجة فيها، ولا طعم ولا لون كذلك؟ خاصة تلك الرسائل منزوعة المشاعر التي تلد من رحم «انسخ والصق ثم أرسل»، حقيقة أسئلة كثيرة أجدها تنثال من بين يدي وهي تخرج من تفكيري المشغول بكثرة الرد على عشرات الرسائل المكررة، وأنا أعيش اليوم مع أيام عيد الأضحى كالعادة «تسونامي» التهاني المرسلة من هنا وهناك التي تصلني من قريب وصديق وزميل وجار وأشخاص عابرين، قد أعترف بأننا أمام واقع إما علينا أن نقبله ونتعامل معه، أو نرفضه رفضا قاطعا، وقد يكون رفضه من الصعوبة بمكان، لأن حياتنا في الأصل أصبحت تعكس حياة الجمود والعجز والكسل والبرود والمظاهر والمشاعر الباردة التي زرعتها «الآلة» التي رافقتنا في حياتنا بدءا من الريموت كنترول، مرورا بالهاتف الجوال، وانتهاء بجهاز التكييف، والسلسلة تطول مع أجهزة الراحة اللاإلكترونية التي جلبت لنا «العجز» ولم تنس أن تجلب معها الأمراض التي ورثت للكثيرين السكر والضغط والسمنة.

وسائل التواصل الاجتماعي مهما قيل عنها من مميزات، وإنها كسرت الحواجز والحدود، وتخطت المسافات، إلا أنها في رأيي قد فشلت في التعبير عما تحمله النفوس البشرية من معان ومن مشاعر وأحاسيس، سواء أكانت صادقة أو كاذبة، فكم من يبعثون برسائل لكنها لا تعبر عن كمية المشاعر التي تفيض بالحب والصدق لمن يبعثون إليهم برسائلهم، وكم من رسائل ترسل لكنها تطير عبر بوابة «رفع الكلفة» لا تعكس وجه مرسلها الحقيقي في بعض الأحيان، وإلا لفضحت مشاعره، وعرته، ربما أن أكثرها تعرية أنها أحيانا تكون مذيلة باسم غير اسم مرسلها!

كنت أقول لصديق ليس هناك من خطر على فتور العلاقات بين الأصدقاء والأقارب وعلى تفتيتها وبث الخلافات وزرع الفتنة وتعميق إساءات الظنون وتحوير المناقشات إلى خصومات، أكثر من الخطر الذي قد تصنعه رسائل وسائل التواصل الاجتماعي، وبالذات تلك الرسائل التي تحمل في طياتها رسائل داخلية سلبية مثيرة، يريد مرسلها أن تشرح وجهة نظره للآخرين بالاختباء خلفها، وهذه النوعية من الرسائل قد نقرأها في مواقع «البروفايل والقروبات الجماعية»، فكل شخص في نفسه شيء يريد أن يرسله لآخرين، تجده على الفور يلجأ لوضع تلك الرسائل السلبية على حساباته، وحقيقة أصرح بها وأكاد لا أخفيها في ثرثراتي مع الرفاق، حين أقول دون مواربة «حينما تكون العلاقة التي تربطك مع قريب أو صديق لا تتجاوز حدود» ملصق أو رسالة «ترسل لك في كل جمعة أو مناسبة أعياد، أو عندما يحل شهر رمضان من أجل رفع الحرج، والكلفة عن عدم التواصل معك، اعتبرها من العلاقات التي ليست مغرية في أن تستمر أو تحترمها، وليس هناك من داع للندم عليها إن انتهت، إلا في حالات قد لا تعين على التواصل الشخصي، لكني أعني تلك الرسائل التي ترسل لرفع الكلفة والعتب فقط، وكما قال الإمام الشافعي «إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا..فدعه ولا تكثر عليه التأسفا / ففي الناس أبدال وفي الترك راحة.. وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا / إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة...فلا خير في ود يجيء تكلفا».

ما الذي بقي لي أن أقوله هنا، وأنا أهنئكم عبر الجريدة بعيد الأضحى الذي أتمنى من الله وأرجو أن يكون عيدا سعيدا على المسلمين في كل مكان؟ بقي أن أقول لا يعني كلامي أني ضد الرسائل بكل أشكالها وألوانها وزخرفتها وورودها وكلماتها المنتقاة والفخمة، وبما تحويه أحيانا من أغلاط إملائية، لست ضدها أبدا لأنها في رأيي أيضا قدرنا، وأنا أعترف بأني واحد ممن يمارسها، فقد أصبحت وسيلة لتعوض الغياب والابتعاد بين الناس، وتذكرنا على الأقل بمن نسيناهم، أو بمن طوتهم الدنيا في دروبها، وأشغلتهم بأعبائها وباعدتنا عنهم، غير أني ما أقصده أن نبتعد عن تكرارها الذي يفقدها حرارة الأشواق وصدق الأحاسيس مما يجعلها تبقى باردة باهتة، ولا تغني عن التواصل الحي ما أمكن ذلك، أما من تباعدهم المسافات، فذاك شأن آخر لاحول لنا ولا قوة في تغييره، لكن لتكن الرسائل وقد اضطررنا لها معبرة صادقة غير منسوخة أو مذيلة بأسماء آخرين.

وسائل التواصل الاجتماعي مهما قيل عنها من مميزات، وإنها كسرت الحواجز والحدود، وتخطت المسافات، إلا أنها فشلت في التعبير عما تحمله النفوس البشرية من معان ومشاعر وأحاسيس، سواء أكانت صادقة أو كاذبة.