تفخر المملكة العربية السعودية - قيادة وشعبا - بخدمة ضيوف الرحمن، ومساعدة الحجيج على أداء نسكهم، وتقديم كافة أشكال العون التي يحتاجونها، انطلاقا من مبدأ رئيسي هو تقدير المسؤولية العظيمة التي كلف الله سبحانه وتعالى بها مواطني هذه البلاد المباركة، عندما منحهم هذا الشرف العظيم الذي اختصهم به دون سائر خلقه، وجعلهم شركاء في إكرام ضيوفه. ويشهد موسم الحج كل عام ما يشبه التنافس الكبير من كافة قطاعات الدولة في أداء هذا الواجب، حيث تتسابق جميع الجهات الحكومية في القيام بواجباتها على النسق الأكمل، وتسخر كل إمكاناتها وقدراتها لتقديم خدمة راقية لمن فارقوا أوطانهم وأتوا إلى المشاعر المقدسة، رغبة في نيل الثواب والأجر العظيم. ورغم أن هذه الأجهزة الرسمية تقوم بواجبها خير قيام، وتبذل ما في وسعها لتقديم العون اللازم لهذه الحشود الهائلة من الناس، إلا أن ذلك الشرف لم يقتصر عليها إذ تشاركها فيه الكثير من فئات المجتمع التي تقوم بواجبات عظيمة وأدوار قد لا يستطيع اللسان حصرها، على سبيل التطوع، ودون مقابل، احتسابا للأجر عند الله، ورغبة في تقديم صورة مشرفة عن إنسان هذه البلاد.

مرت رحلة التطوع في موسم الحج بالكثير من المراحل، وشهدت نموا متواصلا، حسب تزايد الاحتياجات، وتطور طريقة تفكير المجتمع الحديث، ففي عهود سابقة كان ذلك العمل يتم عبر صورة هي أقرب للأعمال الخيرية التي يقوم بها أفراد، فكان السكان في مكة المكرمة والمدينة المنورة، عندما تبدأ قوافل الحجاج في الوصول إليهما، يبادرون إلى استقبالهم والترحيب بهم، واستضافتهم في منازلهم، ومشاركتهم المسكن والمأكل والمشرب، وهم يقومون بهذه الأعمال بطيب نفس وعفوية متناهية، إحساسا منهم بأن هؤلاء القادمين هم ضيوف حلوا عليهم في المقام الأول، فكانوا يؤثرونهم على أنفسهم، ويتسابقون في إكرامهم، وهناك الكثير من الكتابات التي كتبها الحجاج الذين مروا بهذه التجربة، سردوا فيها بساطة المجتمعات في مكة والمدينة، وكرم أهل المدينتين المقدستين، المستمد من الطباع العربية الأصيلة، والخلق الإسلامي النبيل.

في المجتمع المعاصر تطورت أساليب التطوع، وتعددت المجالات التي يسهم فيها أفراد المجتمع السعودي في إكرام الحجيج والترحيب بهم، بحسب تزايد أعداد الحجيج، واختلاف احتياجاتهم ومستلزماتهم، فظهر شباب الكشافة الذين تلقوا تدريبا عاليا في كيفية التعامل مع الحجيج، والطريقة المثلى للتعاطي مع احتياجاتهم، وتركز عمل هذه الفئة في البداية على الإرشاد ومساعدة التائهين للتعرف على مخيماتهم، واسترداد مفقوداتهم. ورغم أن هذا العمل يبدو للوهلة الأولى بسيطا وميسورا، إلا أن من يطلع عليه يجد أنه مرهق ويحتاج إلى قدرات خاصة، لا سيما أن أولئك الشباب اليافعون يمارسون هذا العمل الكبير في رابعة النهار، وتحت أشعة الشمس الحارة. كما أن هؤلاء الحجيج يختلفون في اللغات التي يتحدثون بها، وكثير منهم من كبار السن الذين ربما لا يملكون القدرة على التعبير عن احتياجاتهم، وربما يكون بعضهم يحمل أفكارا مغلوطة عن كيفية أداء الشعائر، ويتمسك بالقيام بما قد يتعارض مع صحيح الدين، لذلك فإن تقديم الخدمات لهم يحتاج مهارات خاصة وسعة صدر وأناة وحلماً، وهي صفات متوفرة - من واقع مشاهداتي الشخصية - في أولئك الأبطال الذين تصدوا لهذه المهمة الجسيمة.

بعد ذلك ظهرت جهات أخرى تقدم أنواعا مختلفة من المساعدات للحجيج، وبرزت خلال العامين الماضيين مؤسسة مسك الخيرية التي قامت عبر مبادرتها «كن عونا» والتي يقوم بها شباب من المتطوعين، الذين نالوا تدريبا متقدما أسهم في تأهيلهم على كافة المجالات التطوعية التي يحتاجها الحجاج، وهو ما كان له دور كبير في تمكينهم من تقديم خدمة ذات مواصفات معيارية احترافية وممارسات عالية الجودة انعكست على ضيوف الرحمن بأثر إيجابي، وأسهم في تطوير قدرات أولئك الشباب وتحسين تجربتهم وإثرائها بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030. وتحرص المؤسسة على تأكيد رغبتها في تقديم العون للحجاج والسند للجهات الحكومية العاملة في موسم الحج، بقيم إسلامية أصيلة، تعكس ما يتمتع به هذا الشعب من قيم نبيلة وأخلاق رفيعة. كل ذلك بهدف تحقيق أربعة أمور هي تقنين وتنظيم المشاركة الاجتماعية في موسم الحج عبر آلية معتمدة للتنسيق بين القوى التطوعية والجهات الرسمية، والارتقاء بمستوى ونوعية الخدمة المقدمة لضيوف الرحمن، وقياس أداء وفعالية الجهود التطوعية وفق معايير واضحة ومدروسة ومحددة، وتنويع الأساليب التنظيمية التطوعية المقدمة من وزارة الحج والعمرة بما يواكب أهم وأبرز التطورات، واستخدام التقنيات الحديثة لخدمة ضيوف الرحمن. وهذه الأهداف الأربعة مجتمعة تحقق ما ظل ينادي به الكثيرون من ضرورة تنسيق الجهود التطوعية وتوجيهها بالصورة السليمة التي تعظم من تأثيرها، وتؤدي لزيادة الإيجابيات وتفادي السلبيات، وضمان عدم ضياع أي من تلك الجهود بدون تحقيق الفائدة المرجوة منها.

لا يسعني في الختام سوى رفع أجزل آيات التهنئة والتبريكات إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا، والأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس لجنة الحج المركزية، وكافة العاملين في هذا المجال المبارك، بمناسبة نجاح موسم الحج لهذا العام، والتحديثات الكبيرة والإضافات التي شهدتها مناطق المشاعر المقدسة والحرمين الشريفين، مما كان له أكبر الأثر في تمكين ضيوف الرحمن من أداء نسكهم بكل سهولة ويسر واطمئنان، والتحية موصولة لهذا الشعب الكريم بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وعشت يا وطن الشموخ عالي الهمة خفاق العلم.

تطورت أساليب التطوع، وتعددت المجالات التي يسهم فيها أفراد المجتمع السعودي في إكرام الحجيج والترحيب بهم، بحسب تزايد أعداد الحجيج، واختلاف احتياجاتهم ومستلزماتهم، فظهر شباب الكشافة الذين تلقوا تدريبا عاليا في كيفية التعامل مع الحجيج