متى يكفّ الشعر العربي عن كونه ظاهرة إلقائية؟ لا يمر شهر واحد عليَّ دون أن أتلقى دعوة لإقامة -أو إحياء!- أمسية شعرية.. ولا تمر عليَّ دعوة واحدة دون اعتذار. وعبر تجربتي مع الشعر، هذه التجربة التي تتجاوز خمساً وأربعين سنة، لم تكن هناك سوى أقل من عشرين أمسية شعرية.. أو أكثر.. قليلا.. أي بمعدل أمسية شعرية كل سنتين.. والسبب؟!

السبب أني أرى أن الأمسيات الشعرية لا تكشف عن جمال الشعر، (وإن فعلت ذلك، كان ذلك عَرَضاً) بقدر ما تكشف عن جمال الحنجرة... بمعنى أن الجمهور لا يعجب بشعر وإنما يطرب لإلقاء..

وأنا، إمّا لتواضع زائد أو لغرور زائد، أود لشعري أن يحكم عليه من دون (محسنات) صوتية... دون تصفيق... ودون (أَعِدْ)!..

ولا أعتقد أن في القاموس العربي كلمة (تنرفزني) مثل كلمة ((أَعِدْ!)).. (باستثناء الخصخصة والخوصصة!) ومثل (أحسنت)!..

أتصوّر عندما أسمع هذه الكلمات -وأمثالها- أني حيوان من حيوانات السيرك المدرَّبة.

أتذكر أيام: (مَنْ بالباب مِن الشعراء؟)

.. وأيام: (يا غلام! املأ فاه جوهراً!)..

ومع ذلك تجد من الشعراء مَنْ يعتبر التصفيق مقياس النجاح.. الوحيد.. الأوحد!!

متى إذن، نتجاوز المرحلة (السماعية) إلى المرحلة (العقلية).. أو المرحلة (الروحية)؟..

من دون هذا التجاوز سوف يظل الشعر العربي ظاهرة إلقائية..

وسيكون أعظم الشعراء أضخمهم حنجرة..

أو أقدرهم على القفز أمام الجمهور.. مثل حيوانات السيرك.. ليظفر.. بتصفيق.. أو (أَعِدْ!)..

أو (أحسنت!)..

.. أنا لا أحب أن أعيد..

رحم الله والديكم!!

*1998