ذات يوم استيقظت بريطانيا على حقيقة أنها غير قادرة على المنافسة، فمناجم الفحم أغلقت بعد أن أصبح البترول خيار العالم لإنتاج الطاقة، والبلدان التي تحتلها استقلت، وتايوان والصين ظهرتا فجأة من الحطام وهما غير قابلتين للمنافسة في العدد ورخص الأجور. كان وقتها التعليم البريطاني تقريباً مثل التعليم السعودي اليوم، ضحية الرفاهية والمال الذي ينفق عليه بكثرة دون مردود مقنع ومخرجات تعيد ما دفع فيها للدولة بشكل مساهمة في التنمية الاقتصادية.

وقف الاقتصاديون والأكاديميون في حيرة، كيف سينتشلون بريطانيا من الفقر الذي أطل عليها فجأة والذي لا ينوي المغادرة أبداً.

فكان أمامهم حل واحد، وهو أن يكونوا واقعيين ويبدأوا من سؤال ماذا تريد من التعليم؟ هل تريد عاملا ينافس العامل الصيني؟ بالطبع هذه نكتة لن تناقش، أم تبحث عن البترول؟

قرر البريطانيون أن المخرجات البريطانية في التعليم يجب أن تكون في مجال تستطيع الإمبراطورية السابقة المنافسة فيه، لذا اختاروا اقتصاد المعرفة والابتكار والبحث العلمي، وهي تدر على بريطانيا دخلاً عظيماً جدا، وتشرف عليه الحكومة، لدرجة أنها تمنح الجامعات آلاف الباوندات على نشر بحث في الجامعات المعتبرة بواسطة أحد منسوبيها أو طلابها.

السعودية أيضا يجب أن تفعل ذلك، تبحث عن إجابة لهذا السؤال الصغير، وتجد مكانها من المنافسة، ما الذي يمكن أن يجيده الإنسان السعودي وينافس فيه؟، ثم نحدد خططنا وأهدافنا وسياساتنا بحسبه.

ذات يوم حضرت نقاشاً قيماً بين معظم قيادات التعليم في حقبة سابقة، قاده مستشار الرئيس الماليزي للتعليم، وسأل فيه هذا السؤال نفسه، وأعقبه بقوله، أنه اطلع على جدول الحصص الأسبوعية للرياضيات والعلوم، فوجد أن «ما تقولونه عن هدفكم من التعليم لا يعكسه جدولكم الدراسي ليوم في حياة طالب سعودي». في الواقع لأننا لم نتفق على ما نريده من التعليم، وهل نريده حقاً حلا لمشاكلنا الثقافية والاقتصادية أو مشكلة أخرى؟

نحن كنا ولا زلنا متفرجين على السباق العالمي في جودة التعليم ومخرجاته، لكننا أصبحنا نقفز من مقاعد المتفرجين إلى نصف حلبة السباق لندعي المشاركة حتى لو أننا اتجهنا خطأ.