بمجرد أن تكون لك عملية مالية أو غيرها داخل أغلب مصارفنا، يأتيك شعور بأنك تراجع مؤسسة حكومية تعمل بالنظام الورقي. وبمجرد أن تكون لك معاملة مالية عن طريق أحد الخيارات الإلكترونية لهذه المصارف نفسها، تشعر وكأنك تعيش في اليابان. بالنظر لهذه الفجوة ما بين داخل الفروع المصرفية، وبين خدماتها الإلكترونية، تدرك أن أغلب إدارات البنوك كل منها يعمل بمعزل عن الآخر. فتجد إدارة تقنية المعلومات تعمل فيما يخص الفروع بمبدأ (خل يومك يعدي ويحلها حلال بعدين)، لذا تجد أغلب الموظفين العاملين معها، هم من مشغلين خارجيين لا يتبعون للبنك أصلا، وأغلب الموظفين هم من خارج المملكة، بمن فيهم مطورو نظام تشغيل العمليات المالية للبنك بأكمله. تجد أن البنك X قد دفع لتلك الشركة الهندية مبالغ مالية قادرة على إنشاء جامعة تقنية إلكترونية عالمية، تحتوي على التخصصات التي يحتاجها البنك بالضبط ويفصلها على احتياجاته تفصيلا. وتجد أنه بعد أن خطى تلك الخطوة بعدة سنوات ما زال يتخبط في مكانه، ويظهر تخبطه على حال عملائه، الذين يجلسون في طوابير انتظار ظهور أرقامهم على شاشات تظهر سوء الرقابة على تقنية ونظم المعلومات لتشغيل ما داخل الفروع. فمن الطبيعي جدا في أي فرع أن تجد (السرا واقف)، لأن هناك عطلا في الطابعة، وفي انتظار فني تقنية المعلومات (الهندي أو الباكستاني)، في أغلب الأحيان يتصل بالفرع من الإدارة العامة، ليبلغ موظف الفرع السعودي هذا للمرة الألف بكيفية إلغاء المستند العالق في تلك الطابعة، رغم أن هذا السعودي قد يكون خريج هندسة حاسب آلي، ولكن ليست لديه صلاحيات إصلاح طابعته بنفسه، أو في أسوأ الأحوال لم يشرك في عملية تحول البنك لهذا النظام ليعرف كيفية عمله، بل تم فرضه عليه (بين يوم وليلة). حتى أصبح هذا الموظف السعودي يشكل عبئا على إدارته التي تريد أن تحدّ من خسائرها لتنافس الإدارات الأخرى في القدرة على توفير المصروفات، ليحوز مديرها درعا تكريمية في نهاية العام، وبالتأكيد إنه مقابل كل درع تم فصل عدة موظفين سعوديين من هذه الإدارة بأي حجة، قد يكون أبسطها حصوله على تقييم متدنٍّ، وكأن هذا التقييم منزل، وليس من قبل المدير الذي سيكرم لتوفيره كم راتب موظف. الخلاصة أن بنوكنا ومصارفنا تخسر موظفا سعوديا أو أكثر كل يوم تقريبا، لأنها تعتقد أن الذكاء الاصطناعي الذي جلبته من خارج المملكة سيغنيها عن هذا الموظف، ولكن هل وضعت بنوكنا نصب عينيها خطة التحول 2030 والتي من شأنها أن تجعل مملكتنا مصدرة للتقنية وليس العكس. لا أعتقد ذلك، وأنا أعرف حاليا مجموعة من مبتعثي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، عادوا من جامعات أوروبية عريقة بماجستير في عدة تخصصات تقنية، وما زالوا عاطلين عن العمل بعد قرابة العامين من عودتهم، وبنوكنا لا تبحث إلا عن خريجي الأدب الإنجليزي وغيرهم، لتعينهم موظفي صرافة وخدمة عملاء و(تمسكهم أقرب مخرج) بعد أن يحين موعد ترقياتهم، وتوفر رواتبهم لشراء دروع تكريمية لمن صمم لهم المخرج المختصر. نظرة للسماء: النجار الماهر هو من لا يضيع أية قطعة من الخشب دون أن يستفيد منها، مهما كانت غير صالحة عند غيره.