ما أن انهارت الجماعات الإرهابية، وانتهى حلم دولة الخلافة لتنظيم داعش، حتى احتدم صراع من نوع آخر على شرق الفرات بين تركيا والولايات المتحدة وإيران وروسيا، إلى جانب النظام السوري وقوات سورية الديمقراطية، اللاعبون الأصيلون في المنطقة.

غير أن أهدافا غامضة وحسابات معقدة تشعل الصراع بين هذه المكونات المتنافرة والمتباعدة، التي لا تجمعها شيء سوى الفوز بالسيطرة على شرق منطقة الفرق الاستراتيجية التي تجمع بين المياه والثروات الطبيعية والمساحات الخضراء الشاسعة، والمكونات العشائرية والقبلية المهمة.

تقاسم الفرقاء لشرق الفراق

ويتقاسم الفرقاء الضفة الشرقية لنهر الفرات، ويتوزعون فيها بحجم طموحاتهم وتقاطعاتهم، إذ توجد في الشرق قوات سورية الديمقراطية، وفي الغرب على طول الجزء الشمالي من النهر، توجد فصائل مدعومة من تركيا، في حين نجد في أقصى الجنوب القوات السورية التي تدعمها روسيا وإيران، فيما يتحرك جيب صغير لداعش على طول النهر نحو الحدود العراقية.

نوايا الولايات المتحدة

ويتساءل كثيرون عن نوايا الولايات المتحدة التي كانت تدعم الفصائل المعارضة والجيش الحر، مع بداية اندلاع الصراع في سورية للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، إلا أنها سرعان ما غيرت اتجاهها إلى صف قوات سورية الديمقراطية، التحالف الذي يضم القوات الكردية والعربية وقاتلت داعش بشراسة بدعم منها.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن الولايات المتحدة تهتم بشرق الفرات لتقطع نوايا إيران، التي قدمت مساعدات عسكرية مكثفة للنظام السوري إنشاء ممر بري يمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسورية، لضمان إمدادات عسكرية لميليشيا حزب الله، لتعمل ضد إسرائيل والدولة اللبنانية.

وحذت أنقرة حذو الولايات المتحدة، حينما دعمت مع بداية تدخلها في سورية المعارضة والجيش الحر، قبل أن تسكت عن الأسد وتبدأ في قتال الفصائل الكردية، لمنعها من الحصول على أي مكاسب إقليمية ومنعها من الحصول على الحكم الذاتي في أي تسوية بعد الحرب.

تصنيف قوات سورية

وتقول مصادر غربية: إن تركيا تحاول إقناع حلفائها في الغرب لتصنيف قوات سورية الديمقراطية جماعة إرهابية، باعتبار أن المقاتلين الأكراد السوريين مرتبطون بحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة جماعة إرهابية.

وعلى الرغم من أن النظام السوري والروسي لا زالا مشغولين بأحداث الشمال الغربي وإدلب، ولم يلتفتا إلى شرق الفرات، إلا أن موقفهما الاستراتيجي هو وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفضهما لأي محاولات أميركية لخلق حالة انفصالية، أو تركية للتمترس داخل الحدود السورية.

التأثير الديمقرافي

ويضع كافة الفرقاء المتصارعين حول شرق الفراق حيزا كبيرا للتركيبة السكانية بالمنطقة، إذ يواجه التحالف وقوات سورية الديموقراطية "قسد" تحديات في تقديم رؤية جديدة تجمع شمل العرب والكرد، بعد توقف العمليات ضد داعش، خصوصا أن "قسد" توجه رفضا من الغالبية العربية، بعد أن فشلت في تلبية حاجياتها.

ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن المشهد الجيوسياسي للمنطقة، فقد تدخلت عبر ذراعها العسكري "قسد"، في شرق الفرات من أجل طي صفحة تنظيم داعش ومحاولة كسب ود العشائر وتهدئة المنطقة وحالة التوتر الكردي العربي، وتهيئة الأجواء لحليفها للصمود تحت وعود أبرزها تقديم خدمات اقتصادية وإشراك الأهالي وقياداته في إدارة الجزيرة.

استعانة بدول خليجية

وتقول صحيفة نيويورك تايمز أن الولايات المتحدة استعانت بدول خليجية، لبناء توازنات جديدة في شرق الفرات بهدف بناء الثقة، نظرا للعلاقات الخليجية الجيدة مع العديد من مكونات العشائر غرب العراق وشرق سورية، إلى جانب أهمية المنطقة الجيوسياسية لأميركا، كونها غنية بالنفط والغاز، وتشكل عمقا استراتيجيا لقواتها على حدود الدولتين.

تناثر الولاءات في الشرق

وبدا واضحا نشاط اللاعبين الأساسيين لاستمالة القبائل والعشائر في شرق نهر الفرات وغربه، حيث يشكل العرب غالبية سكان المنطقة وينتمون إلى قبائل عريقة تتفرع إلى عشرات العشائر، التي تنتشر على طول نهر الفرات، وذلك بعد أن تراجعت بشكل ملحوظ قبضة الدولة، مقابل صعود دور العشائر إلى الواجهة وتعدد الولاءات وسبل الاستقطاب.

ويرى مراقبون أن ولاء شيوخ ووجهاء هذه العشائر انقسم إلى ثلاثة جهات، إذ يوالي عدد منهم النظام، فيما اتجه آخرون إلى التعاون مع قوات سورية الديمقراطية، بعد طردها لتنظيم "داعش" من المنطقة، في حين اختار قسم منهم التنسيق مع الجانب التركي عبر مجلس ضم قبائل عربية وتركمانية وكردية.

ثروات شرق الفرات

بعيدا عن طموحات المتصارعين، يمكن القول أن قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة تسيطر على نحو ثلث مساحة سورية الواقعة في شرق النهر، كما تستحوذ على نحو 90 % من الثروة النفطية، بالإضافة إلى 45% من إنتاج الغاز، واختزان نحو ملياري برميل من الاحتياطي النفطي، فضلا عن وجود أحد أكبر معامل إنتاج الإسمنت في الشرق.

ويقول مراقبون إن الصراع على مصادر المياه يشكل جانبا آخرا للمطامع بين أنقرة ودمشق وبغداد، ويتوقع اشتعال المعارك إلى حد المواجهة العسكرية على المياه، في حوضي الفرات ودجلة، ليكتسب النزاع بعدا دوليا، بعد أن يصبح خزان سد أتاتورك العظيم في تركيا سلاحا بيد أنقرة، خصوصا في ظل وجود ثلاثة سدود على نهر الفرات.

أسباب الصراع حول شرق الفرات

- أميركا تريد قطع الطريق على محاولات إيران ربط الشرق بالغرب بخط بري

- واشنطن تنظر إلى ثروات شرق الفرات الاقتصادية والبشرية باهتمام بالغ

- تركيا تحاول منع "قسد" من تحقيق أي مكاسب إقليمية أو تهديد خاصرتها

- النظام السوري وحليفه يحاولان منع قوات سورية الديمقراطية من الانفصال

ثروات شرق الفرات

- "قسد" تسيطر على نحو ثلث مساحة سورية الواقعة في شرق النهر

- تستحوذ على نحو 90 % من الثروة النفطية، و45% من الغاز

- احتضان نحو ملياري برميل من الاحتياطي النفطي في سورية

- وجود أحد أكبر معامل إنتاج الإسمنت في شرق الفرات

- وجود 3 سدود مائية على طول نهر الفرات في سورية