من الأساليب المعروفة في علم الإدارة أن يملك القائد السلطة المباشرة على آليات تنفيذ الخطة، ما يمنحه مساحة أكبر للتركيز على المهام والمشاريع الحيوية، للتأكد من حسن سير الإستراتيجيات المرسومة، ومتابعة تحقيق مراحل الرؤية التي وضعها.

ومن هنا تحديدا برزت أهمية إنشاء الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة. والتي رغم أنها ما تزال في بداية عملها إلا أن حضورها يحظى باهتمام كبير.

نعلم جميعا أهمية الحرمين الشريفين، والمهمة التي أوكلت تاريخيا لأهل هذه البلاد وساستها، وهي رعاية حجاج بيت الله الحرام والعناية بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة. وهي مهمة صعبة وحساسة كونها تتعلق بمقدسات المسلمين وتنحصر بزمان ومكان محددين. ومن المعلوم أن المملكة العربية السعودية عبر تاريخها لم تدخر جهدا في خدمة الحرمين الشريفين والحجاج والزائرين. إلا أنه ومع الرؤية الوطنية 2030 ومستهدفاتها، ظهرت الحاجة لإنشاء هيئة ملكية تشرف مباشرة على تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة. استحداث سلطة عليا تشرف على الأجهزة والجهات العاملة في هذا المجال، يعني أن الدولة تتطلع لنقلة نوعية في مكانة مكة المكرمة، وشكل ومضمون مواسم الحج والعمرة، وتتبنى رؤية متقدمة للسياحة الدينية، إذ لا يقتصر الأمر على الخدمات، بل يتجاوزه لمفاهيم جديدة منسجمة مع طبيعة العصر ومعطيات المرحلة.

هذا الاهتمام يجيء امتدادا لإنجازات الأجيال الملكية التي اهتمت بمكة المكرمة، وهو بحق مدعاة فخر واعتزاز.

وتكمن أهمية الهيئة في اختصاصاتها التي تشمل خمسة محاور هي: «السياسات والتشريعات، التخطيط، التمويل، التنفيذ، المراقبة والتقويم».

من هذه المحاور الخمسة، ترجع أهمية إنشاء الهيئة الملكية لضرورة إيجاد تناغم بين كل الأجهزة المعنية التي تعمل بمكة المكرمة في الحج والمشاعر المقدسة. هذا التناغم مهم لأجل تقليل الهدر المالي واستدامة التنمية، كما لا أنسى أهمية أنسنة مكة، المدينة التي تستقبل الناس من الحضارات والثقافات كافة، بإظهار المنجز البشري والتاريخي لأهل مكة المكرمة، ومنها المتاحف والفنون التي لها علاقة بالأرض والمكان. وبمعنى آخر إن الهيئة الملكية تسعى لرعاية أعمال الحج على طريقة الرؤية السعودية، وتحت إشراف مباشر من ولي العهد مهندس الرؤية وعرابها.

إن رؤية المملكة 2030 لا تنحصر فقط كما يظن البعض في الاقتصاد، وإعادة التوازن المالي والإصلاح الاجتماعي. رؤية 2030 ببساطة هي آلاف الأفكار التي كانت مخبأة في الأدراج بين أيدي البيروقراطيين، هي الطاقات التي نحملها ولم نستغلها بشكل جيد، هي باختصار طريقنا للمستقبل والقرن الجديد. فالسعودية الجديدة لن ترضى بأقل من التميز على كافة الأصعدة والمشاركة الحقيقية في صناعة مستقبل العالم.