مع إطلالة أول يوم من أيام العام الدراسي، في بداية صباحه المشرق من صباحات الوطن، وأنتم أيها الطلاب والطالبات تضعون أقدامكم على أولى درجات السلم في التعليم العالي. يسرني أن أهنئكم على الإنجاز في المرحلة الثانوية، وعلى قبولكم في الجامعة. كما أهنئكم ببدء العام الدراسي الجديد. ومن أجل أن تبدؤوا مسيرتكم الجامعية على طريق واضح وبخطوات واثقة، تمكنكم من التحصيل والإنجاز بصور مرضية ومريحة.

فإن من المهم جدا أن تكونوا على دراية كافية ببعض الجوانب الضرورية لمسيرتكم ومنها:

أولا: انتقال الطالب من الثانوية إلى المرحلة الجامعية، انتقال إلى مرحلة النضج والوعي، وإدراك أن طالب الجامعة يعول عليه الكثير من الطموحات والآمال. لهذا على الطالب أن يدرك أن مسؤوليته كبيرة، والجهد المطلوب منه ينبغي أن يكون مضاعفا. كما ينبغي أن يدرك أن الدراسة في الجامعة تختلف عما كان عليه في المرحلة الثانوية، فالتعامل لم يعد محصورا على الكتاب المدرسي فقط، بل عليه أن يتعامل مع مجموعة من المراجع والمصادر المتنوعة، أي أن المكتبة يفترض أن تمثل وجبة رئيسية في برنامج الطالب اليومي. بالإضافة إلى أن وجود الطالب لم يعد محصورا في فصل دراسي طوال يومه، بل عليه أن ينتقل من قاعة إلى أخرى، ومن معمل إلى معمل آخر، ولم يعد هناك وجود لجدول دراسي يبدأ من الحصة الأولى في الصباح الباكر، وينتهي بالحصة السابعة عند الظهيرة، بل الدراسة في الجامعة تستلزم أحيانا بقاء الطالب بين أسوار الجامعة طوال اليوم الدراسي.

ثانيا: طالب الجامعة لا بد أن يكون باحثا عن المعرفة لا مستقبلا لها، فعالم اليوم ليس بحاجة إلى من يحفظ ويتذكر، بل الحاجة ماسة إلى طالب مفكر يستخدم قدراته العقلية ويطلق العنان لتفكيره، يتأمل، يستنتج، يقارن، يميز، يبتكر.... إلخ.. الحاجة تتطلب طالبا لديه القدرة على الحوار والنقاش، وإبداء الرأي وإصدار الأحكام واتخاذ القرار المناسب لديه القدرة على الاتصال والتواصل مع الآخرين، طالبا يمتلك الوسطية في اتجاهاته وسلوكياته وممارساته، يمتلك قيم التسامح والموضوعية والرفق، في عالم لا يجدي معه استخدام العنف والتسلط، لا سيما أن ديننا هو دين الوسطية.

ثالثا: بعض الطلاب التحق بالجامعة وربما لم تُتح له الفرصة لاختيار التخصص أو الكلية التي يريد، وهذا ينبغي ألا يشكل عقبة في طريقه. وهنا يتجسد الإيمان بالقضاء والقدر، فكل مسير لما خلق له. والخير فيما اختاره الله. ولكن هذا لا يعني أن يتواكل الطالب، بل عليه أن يأخذ بالأسباب، وأن يعطي نفسه الفرصة لإيجاد بدائل مناسبة في حال عدم تمكنه من اختيار التخصص المناسب.

رابعا: الثقة بالله ثم ثقة الطالب بنفسه وبقدراته وبإمكاناته، فبالاعتماد على الله والإرادة القوية والمثابرة تتحقق الطموحات والآمال.

خامسا: قدرة الطالب على إدارة ذاته من خلال تنظيم أوقاته، وحضور محاضراته بانتظام، وامتلاك الجرأة والمبادرة والسؤال عما خفي، ومشاركة أساتذته النقاش والاستفادة من الإمكانات المتاحة في الأنشطة الطلابية لزيادة معارفه واكتساب مهارات وقيم واتجاهات إيجابية، وتعوده على العمل الجماعي.

سادسا: ينبغي أن يتملك طالب الجامعة سمات طالب العلم في التحلي بالأخلاق الفاضلة والتعامل الحضاري الواعي، والتفاعل مع زملائه وأساتذته، والحرص على الظهور بالمظهر اللائق. وعدم الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي أثناء المحاضرات، وإغلاق الجوال أو وضعه على الصامت.

سابعا: يفترض في الطالب الجامعي أن يحرص على أن يكون ملمّاً بأنظمة ولوائح الجامعة لكي يتمكن من السير والتحصيل.

ثامنا: الحرص على احترام أساتذته ومراعاة أدبيات التعامل معهم أثناء النقاش والحوار، مثلاً عند مناقشة الطالب لأستاذه يمكن أن يستخدم بعض العبارات (أحترم رأيك أستاذي الكريم، ولكن أميل إلى اختيار كذا أو أفضل أداء هذا الجانب دون الآخر لأسباب منها، أو أتفق معك ولكن ألا ترى أن هذا الأمر يتطلب كذا... إلخ).

تاسعا: امتلاك الهمة العالية والطموح الجاد والنظر إلى أعالي الأمور والبعد عن النظر إلى القاع والرضا بالأمور البسيطة.

عاشرا: الحرص على الانضباط وحضور المحاضرات، والتوقف عن الغياب حتى لا يفاجأ الطالب بأنه محروم من دخول الاختبار في بعض المقررات.

من المهم جدا أن يقوم الطالب بزيارات لمشرفه الأكاديمي باستمرار ليحصل على الجرعات الإرشادية.

لعل من المناسب جدا أن تحرص الجامعات على إعداد برامج التهيئة للطلاب الجدد الملتحقين بالجامعة من خلال المحاضرات وورش العمل والحلقات النقاشية للتعريف بالجامعة ولوائحها وأنظمتها، وكذلك أساليب وطرق التوافق النفسي والاجتماعي للطلاب مع الدراسة في الجامعة ومساعدتهم على تخطي أي عقبات أو صعوبات قد تواجههم أثناء الدراسة، فقد يشعر الطالب مثلا بعد قدرته على (الاندماج الاجتماعي) مع زملائه أو أساتذته، مما يدفعه إلى العزلة والوحدة. وربما تعطى للطلاب الذين حضروا هذه البرامج والفعاليات شهادات تثبت حضورهم وعدد الساعات التي حضروها. لأن هذا سيعطي مؤشرا مهما عند تعثر الطالب في دراسته أو نجاحه.

متمنيا لجميع الطلاب والطالبات التوفيق في مسيرتهم، ولعل الله -سبحانه وتعالى- يمكننا من مشاركتكم الفرحة وأنتم ترتدون مشالح التخرج فرحين مستبشرين بتحقيق أحلامكم وطموحاتكم.