يقال بأن الحياد في السياسة ممنوع، والصدق استثناء والكذب قاعدة. وكذلك السياسة هي النجاح على تصوير الكذب على أنه حقيقة، وذلك يسمى استدعاء سياسيا، لكن عندما تكون باحثا إستراتيجيا فلا بد أن تكون باحثا عن الحقيقة، والمعلومات الدقيقة، وكيفما كانت إيجابا أو سلبا، فلا بد أن تكون قائمة على القناعة، وتصويب ثقافة الدولة القائمة على احترام التعددية والتنوع، وفوق هذا كله لا بد أن تتوقف الدولة عند القناعة لأنها مشكلة، ولا يصرفنا التفكير فيها عن حلها.

كباحث يمني فهدفي إيصال مكامن القناعة الشعبية، وليس الحديث عن الاستدعاء السياسي، والذي تروج له الإخوانجية توكل كرمان، ومختلف أبواق الاستدعاء السياسي، وعلى رأسها عملاء إيران في اليمن، وهذا ما نريد إيصاله لليمنيين.

أ -الشمال اليمني.

الإنسان ذئب لأخيه الإنسان «مقولة شهيرة للفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، أحد أبرز فلاسفة القرن السابع عشر، فجماعة الحوثي قناعتها الفكرية تقول بأن ما سواها لا يفقه الدين الإسلامي، وهو لا يعرف ألف باء الإسلام، ومعنى ذلك فهو كافر/‏‏ منافق، وبالتالي فهو نصراني، ويهودي، وأميركي، وإسرائيلي... إلخ. وهنا الحديث عن العامة، أما عن الذين يطيلون اللحى، ويرتادون المساجد بانتظام، فهؤلاء بنظر الحوثية دعاة القتل، والذبح بالسكاكين، أي دواعش، وبكل بساطة فلا بد نفهم أن المراكز الصيفية الحوثية عندما جمعت النشء لم تكن تريد إلا عددا من الساعات، وبضعة أيام لترسخ هذه الأفكار فقط. وللسنة الثانية على التوالي ستقوم منظمة اليونيسيف بدفع حوالات مالية عبر شبكة النجم للصرافة لمن أشرفوا على نشر هذه الأفكار المدمرة.

ب-الجنوب العربي.

شهدت العاصمة عدن، عصيانا مدنيا خلال سنة 2014 قناعته استعادة دولة الجنوب العربي، في حين الشمال يقوم باستدعاء سياسي يسمى الانفصال. أتذكر حينها أن الجميع كان يقبل، وينصاع لهكذا عصيان مدني، ويتجاوب بلا حدود مع دعوات العصيان المدني، إلا مطعم الشرق الأوسط جوار بريد الشيخ عثمان في العاصمة عدن لم يتجاوب، وتم إغلاقه بالقوة في 19 يناير 2015. وبرز عدد من الأحداث، لعل أبرزها أن المسيرات كانت تجوب دكة المعلاء، وصولا إلى عقبة المعلاء، وكانت جماهير الجنوبيين تشتم وتوجه رسالات قوية إلى حراسة مبنى محافظة عدن، والتي كان يومها وحيد رشيد محافظا لعدن.

ج -السلطة الشرعية.

«القوة والاحتيال في الحرب هما الفضيلتان الأساسيتان». كما قال توماس هوبز. فقيادة اليمن المعترف به بناء على المبادرة الخليجية لديها إطار وطني جامع هو مواجهة القناعة الحوثية، لكنها ليست على صواب عندما تصطدم بقناعة الجنوبيين، ويعزو ذلك لأن الاستدعاء السياسي سينجح أمام جماعة مركزها مديرية في صعدة، وتوسعت باستدعاء القبلية الزيدية والمناطقية الشمالية والطائفية الميليشياوية، ممزوجة بثقافة السلاح والموت ومخدر القات والبردقان، والثأر المنتشر في الشمال اليمني، لكن لا يمكن النجاح أمام 4 ملايين نسمة لجماهير شعب منتشرة في سبع محافظات تمتلك 307600 ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ، ناهيك عن الجزر والشريط الساحلي الممتد من المهرة حتى لحج.

الشرعية تواجه جماعة حوثية إرهابية تصدر فكرا لا يمت للدين الإسلامي بصلة، وتدعم من إيران بأجزاء الصواريخ، والطائرات المسيرة ليتم تجميعها من خبراء حزب الله والحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي اليمنية، وتستخدم ضمن فوضى الأدوات الإقليمية بالنسبة للعرب، لكنها مرتبة بعناية في سلسلة الأجندات الإيرانية، وليس هذا فحسب، بل حتى فيديوهات الإعلام الحربي والخطط العسكرية ترسل إلى الضاحية الجنوبية لإبداء الملاحظات، وتصميمها قبل بثها على الشاشات.

السلطة الشرعية في اليمن تواجه القناعة الفكرية الحوثية فقط، لكنها عسكريا تخوض حربا في مواجهة حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وبالتالي فالشرعية لا تجابه الحوثية بمشروع استدعاء سياسي كما هو حاصل مع أبناء الجنوبي اليمني «العربي»، بل بمشروع وطني وعربي، وهو قناعة لا يختلف عليها اثنان وأي مواطن في الشمال اليمني أو الجنوب العربي..

في الختام: أتمنى من الجميع فهم القناعات لأنها مشاكل واقعية، وعدم التفكير في حلول مثالية بقدر ما تكون حلولا عملية، والحل العملي بأن تعيد الشرعية ترتيب أوراقها في الجوف ومأرب وتعز والمخاء والحديدة، لتستعيد الشمال اليمني، وتنسى شيئا اسمه الجنوب العربي في الوقت الراهن، وفيما يتعلق بإعلام الإخوان في قطر وتركيا وتوكل كرمان، فيا حبذا لو فكروا بحلول عملية لما بات يحدث في الشمال اليمني، خصوصا ذلك الكم الهائل من الضرائب والأتاوات التي تفرضها ميليشيات الحوثي لما بات يعرف مؤخرا بضريبة الإيواء في العاصمة صنعاء، نظرا لأن معظم الشماليين باتوا خارج وطنهم، وبلا مأوى داخله.