قديما سكن أجدادنا الصحراء، وقبل انتشار التيارات المتطرفة كان الرجال فرساناً تحكمهم أخلاق العرب، وتصهل في دمائهم النخوة والشرف، فأصبحت النساء آمنات يعملن في المزارع والري والاحتطاب والرعي والتجارة، ويخالطن الرجال ولا يخشين على أنفسهن، وكان الدارج بين أجدادنا أن المرأة شعرة في وجه رجال العشيرة، فلا يصيبها الأذى وفيهم رجل حي. أتأمل ذلك التاريخ وأتساءل، كيف انتكسنا إلى هذا الحد؟ كيف أصبح خطاب التخوين والتعبئة ضد المرأة مقبولا؟ كيف انحدر مستوى نبل الرجال ونزاهتهم إلى درجة أن تضطر المرأة للاختباء، والقبول بالفقر والحاجة، حذراً من احتمال أن يراها أحدهم، فتكون عندها قد جنت على نفسها وقومها!. هذه الفكرة الخطيرة ينظر لها أحدهم على أحد منابر العبادة، فيحولها من أزمة أخلاقية واجتماعية إلى سيناريو رباني ينبغي أخذه بعين الاعتبار. والمزعج فعلا هو أن هذا التراجع الذي ابتلينا به يدافع عنه بعض من رجال القانون والكتاب والمثقفين باعتباره طبيعة مرحلة. لا شك لدي في أن العدل والدين والشرف هو خروج المرأة في حماية الله، ثم فضيلتها وضميرها، ثم القانون والدولة. تخرج لتصنع الحياة، فالحياة التي لا تشارك المرأة في صناعتها تبقى على حد الكفاف مثل جملة مبتورة أو نص متناقض.

قدر المرأة أن تكون وجوداً مرئياً ومسموعاً ومحسوساً، ولا يسع المجتمع، إلا أن يتعامل مع هذا الوجود بشكل طبيعي، وأن يتخلى تماماً عن فكرة طمسها وإخفائها، وبدلاً من ذلك يشرع في تشكيل القوانين والتقاليد التي تخلق مساحة آمنة، تعزز فيها حشمة المرأة وشهامة الرجل. لقد آن الأوان لأن نتجاوز هذا المأزق الفكري ونمضي قدماً.