قبل 28 سنة انهار الاتحاد السوفيتي، وظهرت عقب ذلك 15 جمهورية، وأهم هذه الجمهوريات وأكبرها جمهورية روسيا الاتحادية، التي كانت تقود الاتحاد، الدولة العظمى السابقة، ووريثها الشرعي فيما بعد، والتي تمثل 76% من مساحة ذلك الاتحاد، حوالي ضعف مساحة أميركا، وعاصمتها (موسكو)، التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى نهر (موسكفا) الذي تقع عليه.

تُعتبر موسكو، هذه المدينة الشهيرة مركزا للسياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم، وتعد من أكثر المدن الروسية سكانا، وسابع أكبر المدن في العالم من حيث التعداد البشري، وفيها أهم موقع تراثي في جمهورية روسيا الاتحادية، أكبر دولة في العالم: (الكرملين)، مقر اللقاءات الرسمية على مستوى القمة، و(الساحة الحمراء) التابعة لها، و(مسرح البلشوي)، أحد أهم المسارح العالمية، وشارع (أربات)، التجاري والترفيهي.

في موسكو، التي أتنزه فيها بصحبة عائلتي، تعرفت على بعض عادات وتقاليد الشعب الروسي، التي تميزه عن غيره، فعلى سبيل المثال لاحظت أن (غالب) الروس يحبون الاسترخاء كثيرا، ولا يحاولون التعبير عن آرائهم بدبلوماسية، فهم يستمتعون بالتعبير عن آرائهم بصوت عال، ولا يعترفون باستعمال كلمات تخفف أو تخفي مشاعرهم الحقيقية، ويتفننون في إكرام ضيوفهم، ولربما يصاب الضيف بالتخمة بسبب إكرامهم الفياض، ويتوقعون من الناس المستوى نفسه من الإكرام. الإنسان الروسي لديه أعرافه الخاصة، مثل عدم المصافحة على الباب، وضرورة النظر إلى المرآة عند الدخول للدار، وهو إنسان لا يحب إظهار عواطفه، ولديه إيمان كبير بالغموض، مع عشق بالغ لفكرة الحظ، والقوى الخارقة للاحتمالات، وعدم قبول لإجراء الأمور بالمنطق، وعدم الاكتراث بما يحدث حوله من قريب أو من بعيد، وفي الوقت نفسه لديه اعتزاز كبير بالنفس، ومن أجل ذلك لا يقبل النقد، أو الرمي بالأخطاء، خاصة إذا تم النيل من مدينته وبلاده. من أجمل صفات الإنسان الروسي أنه وإن كان لا يتحدث مع الغريب بسهولة، إلا أنه سيساعده لو طلب منه خدمة، وهذا نابع من حبه في التعرف على الغير، ومن المزايا الملحوظة تقديره البالغ لكبار السن، وللنساء، وحبه المظاهر الحسنة وبعضها قد يكون ملفتا، ويتميز الروس بعدم وجود أي عنصرية بينهم، وهذا عائد للفكرة التي نشؤوا عليها، وهي أن الجميع متساوون، وأن الصداقة بين الأمم جزء أساسي على جدول أعمالهم.

أختم مقالي بأن الروسي إنسان ذكي، خصوصا عند تعامله مع الغرب، فالغرب ورغم محاولاتهم السابقة واللاحقة بممارسة شتى مظاهر الهيمنة على روسيا، إلا أن الروس بدهائهم يتسامحون معهم، حتى لا تتكرر معاناة (الحرب الباردة)، ورغم ذلك فالاستفزازات الغربية مستمرة، وبأشكال متعددة، وهذا أسهم في تنامي القومية الروسية، التي أعادت إليهم هيبتهم، وحولت الأمور عندهم من (اشتراكية عتيقة) إلى (رأسمالية بنكهة روسية)، وباتت عودتهم إلى قوة كبرى عالميا غير بعيدة.