تستمر حركة التطهير «التعسفية» التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في تركيا على خلفية الانقلاب السياسي الفاشل يوليو 2016، بحسب ما جاء في صحيفة «الجارديان» الفرنسية عبر خبر نشرته بتاريخ 8/‏ 8 /‏2019 عن استمرار حركة التطهير التي أطلقها إردوغان في تدمير 300 ألف كتاب منذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016، حيث استمر الانجراف الاستبدادي لحكومته، فيما أعطى وزير التعليم ضياء سلجوق الضوء الأخضر، ففي غضون ثلاث سنوات أزال ما يقارب 301878 كتاباً ومكتبة من المدارس والمكتبات ودمرها.

وحول حقيقة هذا الانقلاب أكدت أجهزة استخباراتية دولية أن الانقلاب المزعوم في تركيا مزيّف وأن إردوغان هو من فعله! وزعم حينها أن الزعيم الإسلامي فتح الله غولن؛ هو العقل المدبّر لهذا الانقلاب؛ ليطلق في صبيحة تلك الليلة حركة تطهير غير مسبوقة في أجهزة الدولة كافة، شملت القطاعات الخاصة والجمعيات والجامعات والمساجد حتى رياض الأطفال، وبلغ عدد المعتقلين - بحسب صحيفة «لوموند الفرنسية» - أكثر من 200 ألف شخص بخلاف المختفين والهاربين، وفقد 150 ألف شخص وظائفهم، فيما وُصف بأنه أسوأ حملة على حقوق الإنسان في تاريخ تركيا!.

بغض النظر عن أشكال حركة التطهير وأنواعها، وتعديها على حقوق الإنسان من قتل وقطع للأرزاق، وعلى الرغم من حقيقة ذلك الانقلاب المزيف إلا أنه وبحكم تخصصي في دراسة التاريخ الحديث استوقفتني العنجهية والشخصية العدوانية التي يتميز بها تاريخ معظم زعماء الأتراك، مبتعدين عن أخلاق وطباع الدين الإسلامي الذي يتبعونه في سبيل حكمهم وسلطتهم، ومن خلال حركة التطهير وسببها المزيف، وكما يقول المثل «هو السارق والقاضي» عادت بي الذاكرة التاريخية لما قام به العثمانيون طوال فترة وجودهم في المنطقة العربية وكونهم السبب الرئيس في تأخر العرب أثناء فترة استعمارهم للمنطقة العربية طوال 6 قرون ونيف، وتطبيق سياسة العزلة، فقد سعت الدولة العثمانية منذ بداية حكمها للمشرق العربي على عزله عن العالم الخارجي وبأوروبا على وجه الخصوص، وتطويقه اقتصاديا وعسكريا حتى نجحت في فرض حظر كامل من دخول أي سفن للبحر الأحمر، مؤدية بذلك إلى حدوث ركود اقتصادي في موانئ البحر الأحمر.

نعم لا ننكر أن هناك إيجابيات محدودة للوجود العثماني في المنطقة العربية بحكم أنها دولة مسلمة حافظت على هوية الدين الإسلامي في بلادنا، إلا أن محاولتها في آخر عهدها تغليب اللغة التركية على العربية، ومحاولة تهميش وطمس العربية بسياسة التتريك التي تصدى لها العرب وقاوموها يُمحي لهم تلك الحسنة، ولا ننسى أن الدولة العثمانية طوال فترة حكمها كانت تطبق أساليب لمقاومة العرب ومناهضتهم وكسر كلمتهم وإضعاف قوتهم حتى لا يبرز وجودهم. إضافة إلى تحريم آلة الطباعة التي ساهمت بدورها في تأخر العرب وانحدار ثقافتهم وتطورهم، كما قاموا بإعدام المثقفين العرب وتفتيت علمهم، عندما لم يكتفِ رجل العثمانيين الأول في الشام بإقصاء العرب عن إدارة بلدانهم، بل وقام باعتقال المثقفين العرب ببيروت ودمشق، وإعدامهم بتهم ملفقة ومطبوخة على شاكلة التخابر والتجسس لصالح بريطانيا وفرنسا، ومحاولة الانقلاب والانفصال عن الدولة العثمانية، وهي التهمة نفسها التي تنطبق على «جمال باشا» الذي حاول فرض نفوذ مطلق في الشام؛ بغية تكرار تجربة محمد علي باشا في مصر، والانفصال بالشام عن الإمبراطورية العثمانية، وتنصيب نفسه سلطاناً عليها. وعلى غرار غيره من طغاة العثمانيين قام «جمال باشا» بإقامة محاكمات صورية عرفية لضحاياه لم يراعِ فيها أعرافاً دولية ولا قانونية، ولا حتى أخلاقاً إسلامية، ولم تتسم بالحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة، وصدرت الأحكام الجاهزة بإعدام جمع غفير من الأبرياء، وبرغم التوسلات والمناشدات بوقف الأحكام، وإطلاق سراح ضحاياه، إلا أن الرجل كان عاقدا العزم على التخلص منهم، وإراقة دمائهم، ونفذت أحكام الإعدام شنقاً على دفعتين: واحدة في 21 أغسطس 1915، وأخرى في 6 مايو 1916، في كل من ساحة البرج في بيروت، فسميت ساحة الشهداء، وساحة المرجة في دمشق. كم وكم من القصص المشابهة لطغاة العثمانيين وولاتهم على المنطقة العربية، والقارئ الباحث في التاريخ العثماني في المنطقة العربية بشكل خاص، لا يستنكر ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من أساليب عدائية لا إنسانية ولا تمت للإسلام بأي صلة في سبيل استمرار حكمة وبسطه بالقوة والظلم.

القارئ الباحث في التاريخ العثماني في المنطقة العربية بشكل خاص، لا يستنكر ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من أساليب عدائية لا إنسانية ولا تمت للإسلام بأي صلة