في مرحلة طفولتي، كان في القرية التي أقطنها وأسرتي رجل يُدعى «بن زويّد»، كان إنساناً فناناً مرهف الحس يعزف العود في منزله وفي جلسات خاصة له لا يعلم عنها أهل القرية إلا من خلال إصداراته الغنائية لاحقا.

إصداراته كانت عبارة عن أشرطة كاسيت من خلال جلسات طربية تتواجد للبيع في مراكز التسجيلات المحدودة في بلدة أخرى أكبر من القرية على بعد 80 كم.

كنت وزملائي الصغار نتصنّت على بيت بن زويّد من الخارج ونسمع دندنته وغناءه على العود ومعه أصدقاء محدودين جدا يضربون الطار بإيقاع خفيف خوفا من آذان المجتمع.

عزف العود في تلك الحقبة كان منقصة وذنبا عظيما لا يرتكبه شرفاء القوم إنما الذين لا خلاق لهم، كما يعتقدون!

تم نصح وتحذير العازف المرهف من قبل بعض الجيران وبعض الجهات الرسمية وشبه الرسمية كالشرطة والقاضي وإمام المسجد وبعض المحسنين. كان الرجل محترماً ويستجيب لطلب الناس ويترك العود فترة إلا أنه يعود مرة تلو أخرى. كان البعض يتهمه بشرب المسكر دون دليل إلا لغرض الفجور في الخصومة والتخويف منه ومحاولة تشويه سمعته وربط الفن بالعربدة والمسكرات!

كان بحوزتي مسجّل صغير مع راديو ومن خلاله كنت أستمع لأشرطة جارنا بن زويّد مع أشرطة أخرى كثيرة، منها توحة وعيسى الأحسائي وطلال مداح، فضلاً عن سماع الأغاني الطربية الأخرى في الإذاعة. كنتُ وبعض الأصدقاء الصغار نتعصب لجارنا المطرب باعتبار أن جارنا مصدر فخر واعتزاز لقريتنا لأنه يعزف ويغني ولديه إصدارات فنية يتساوى مع المطربين الكبار المشهورين، رغم أننا بمقدرتنا الفنية وإدراكنا لا نستطيع التمييز بين هذا وذاك، إلا أننا ننظر إليه على أنه مثلهم، فنان يجيد العزف والغناء.

في المساء كان الأهل يضعون فرش النوم على السطح وفي هذه الأثناء أحضر جهازي لأفتح الإذاعة على برنامج «نور على الدرب» الأمر الذي يسعد الوالدين لصلاح ابنهم واستقامته وفي ساعات النهار، بُعيد المدرسة، أنفرد بسماع الأغاني عموما وأغاني جارنا خصوصا. كان الأمر ينطبق علي وعلى زملائي الصغار، وكنا نسر بالحديث عن أهالينا الذين يغضون الطرف عنا في سماع أغاني كل المطربين والمطربات إلا أنه لا أحد من أولياء أمورنا، آنذاك، يسمح لنا بسماع أشرطة جارنا «بن زويد».

كأطفال، لم نكن نعرف أسباب التعنت هذا الموجه، تحديدا، إلى فنان قريتنا دون غيره. أترك لحدسكم الكريم فهم ما يمكن فهمه.!

عزف العود في تلك الحقبة كان منقصة وذنبا عظيما لا يرتكبه شرفاء القوم إنما الذين لا خلاق لهم، كما يعتقدون