أوقف المصريون أوقافا كثيرة على الجامعة المصرية، وقال متحدث -لم يكن مصريا ولكنه يروي عن إخواننا المصريين- إن هذه الأوقاف تكفي لنفقات الجامعة المصرية وسواء أكانت الأوقاف تكفي نفقات الجامعة أو تكفي نصف نفقاتها أو بعض النفقات فلسنا في معرض التحقيق عن ذلك، والمعتقد أن النضوج الفكري والعقلي والإحساس النبيل الذي عبأ نفوس هؤلاء المحسنين ووجههم لمثل هذا الوقف سوف يؤدي حتما إلى زيادة هذه الأوقاف فتغطي كل عجز من نفقات الجامعة في المستقبل، إن تحول التفكير الإسلامي لمثل هذه الأوقاف الحية التي تبني الأجيال، وتعد الأمم للسير في موكب الحياة، وتسلحها بالعلم لتستطيع صد عدوان المطامع الجشعة الأجنبية، ليبشر بخير عميم للمسلمين وللعروبة، وإن أفضل الأوقاف على الإطلاق هو الوقف على مثل هذه المشاريع العامة التي يعم خيرها الغني والفقير والكبير والصغير والقاصي والداني والجندي والمحاسب والكاتب والعامل، أما الأوقاف التي تحجز على الأولاد وتحرم هذا وتغدق على ذاك، كأنما هي أوقاف أنانية يريد بها أهلها الخير لهم ولمن يريدون، وسوف يحاسبون على ما يعملون، يوم عن أموالهم يجردون وعن الأعوان والأنصار يبعدون، إنني أريد أن أكون «مستعجلا» هذه المرة فليسمح لي الأستاذ مستعجل أن أستعير اسمه لو مرة واحدة في حديثي هذا، إنني أدعو - في استعجال - أغنياءنا ورجال الثراء فينا للاقتداء بالمحسنين المصريين والوقف على الجامعة السعودية المنتظرة، فإن الوقف على العلم ونموه وتعميمه جهاد في سبيل الله، وليس أمضى من سلاح العلم للمسلم اليوم، فقد أثبت لنا الزمن أن الشعوب الجاهلة مهما كانت غنية أو كانت معروفة بالشجاعة فهي عزلاء، وتستهدف دائما لاكتساح القوى المسلحة بالعلم والفن.

ولا أقصر دعوتي هذه على أهل الثراء والمُلك فحسب، فإن لدى العامل في مصنعه واللحام وراء شاته والبقال في حانوته والفلاح بمسحاته والبناء بمسترينه والنجار بقدومه نفوسا تواقة للإحسان، حريصة على المساهمة في الخدمات العامة، ولديهم إحساس مرهف بالواجبات، ولكن يدهم قصيرة وعينهم طويلة كما يقولون، ومن واجبنا ألا نقفل أبواب مثل هذه المشاريع العامة في وجوههم، وأن خير طريق يصلون به مع غيرهم إلى الهدف ويقفون معهم سواسية في الحق هو تبرعهم لمشروع الوقف على الجامعة، كل بقدر ما يستطيع، فإذا ما تجمع مبلغ كاف لوقف محل على الجامعة اُشتري به محل، وسُجل بأسماء المتبرعين، لقد وضعت الحكومة نواة المشروع بفتح كلية الشريعة والعلوم العربية في هذا العام، ومن واجبنا أن نتعاون مع الحكومة في مشاريعها العامة التي تمد اليد لتنفيذها، فإن التعاون والإخلاص في كل مشروع سبيل النجاح، هذه فكرة تعرضها الجريدة على الجمهور لتستطلع رأيه فيها، وتسمع كلمة رجال الفكر وقادة الرأي حيالها، ولو ضحى غني فأعلن وقفا على الجامعة السعودية لأدخل المشروع في دور عملي، وستعرض الجريدة الخطوات الأولى لنصوص الوقف والله الموفق.

* 1369