هل تلقيت اتصالا من والدك يصف لك بشكل دقيق المكان الذي ستجد فيه الجبن والزيتون في (بقالة رأس الشارع)؟ هل قامت والدتك بتنظيف قطعة الأكل التي سقطت على ثوبك؟ لأنها تراك طفلا رضيعا رغم أن شنباتك المعكوفة يقف عليها الصقر؟ (وكأن شنباتنا الـgolden gate) على كثرة تداول هذا المثل. هل رأيت أمًّا أو أباً يتعامل مع أطفاله وكأنهم غير قادرين على استنشاق الأوكسجين إلا بمساعدته؟ المشكلة حينما تستمر هذه المخاوف عند أحد الوالدين أو كليهما حتى يرفض أن يخوض أبناؤه مستجدات الحياة وربما متطلباتها في بعض الأحيان، لقناعته بعدم قدرتهم على ذلك. وتزداد هذه المشكلة حينما تصل إلى العمل، فتجد المشرف على فريق عمل ما، حتى لو كان الفريق يخضع لقاعدة (قال صفوا صفين، قال حنا اثنين)، إلا أنك تتفاجأ بهذا المشرف يتعامل مع أعضاء فريقه كما يتعامل الأبوان في رأس هذا المقال. فليس لديه قناعة بأن أحدا ما سيتعلم تسيير العمل كما سبق وتعلم مشرفنا الخارق هذا، وقد يكلف أحد موظفيه بالعمل لـ«يكرههم» بهذا التكليف بكثرة السؤال، والاهتمام بالطريقة التي سيتم بها هذا التكليف، وكأن أي عمل في العالم لا يتم إلا بالطريقة التي يقوم بها صاحبنا فقط، وغيرها باطل. فهل لك أن تتصور أن أغلب أعمالنا اليومية المعطلة قد يكون هذا المشرف ومن يقلد ديكتاتوريته الرقابية هم السبب فيها، حتى ولو كان في الطب. فما دام أنني كاستشاري جراحة حصلت على شهادتي من أميركا وهذا الأخصائي حصل عليها من شرق أوروبا مثلا، فلن أثق بأنه سيتعلم مني بالطريقة الأميركية، بل سينفذ ما أقوم بإملائه عليه بالطريقة الشرق أوروبية لذا فـ«بلاها الشغلة من أساسها» ولو وصل الحال بإغلاق القسم بأكمله إذا سافرت لإجازتي، لأنه ليس أحدا «كفو» أن يتعلم كما تعلمت. وتجد هذا الاستشاري حرم نفسه من ترقية مستحقة، لأن مكانه لا يمكن أن يكون شاغرا، وبهذا لم تعرض عليه الترقية من أصله، أما مصفف الشعر ذاك فما زال يصفف شعيرات عملائه بعد عشرات الأعوام من الخبرة لقناعته بأنه لا أحد سيصفف كتصفيفه، وكأنه ولد وفي يده (لستشوار). خلاصة القول، أنه وفي خطواتنا الأولى لتعلم للمشي، وبعد سقوطنا الأول، لو قام أهلنا بمنعنا نهائيا من المحاولات مرة أخرى، لاضطروا لحملنا على ظهورهم حتى بعد مشيبنا ومشيبهم. نظرة للسماء: قانون الحياة رضينا أم أبينا، يقول تعالى (ٱللهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْف ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّة ضَعْفاً وَشَيْبَةً).