ضربت عاصفة مطرية منطقة جازان فغرقت المدينة والمحافظات وانكشف سوء تنفيذ جميع المشاريع، وأخذت السيول نصيبها السنوي من الضحايا، وضجّت وسائل التواصل والإعلام كما هي العادة بالتنديد بالفساد وضرورة محاسبة الفاسدين، وتناسوا أنها ليست الكارثة الأولى ولن تكون الأخيرة، وتناسوا أن كارثة الأمطار والسيول لم تكن حصرا على جازان، فقد ضربت جدة والدمام وعسير وتبوك. وتناسوا أيضا أنه مع كل كارثة ولامتصاص الغضب وتهدئة الوضع تقوم الوزارة المعنية بإعفاء عدد من المسؤولين، فيذهب كبش الفداء وتظل الكوارث، مما يعني يقينا أن الخلل لم يكن في مسؤول بعينه وإنما في تنظيمات لم تمنع الفساد وتجفف منابعه.

في علم الجودة هناك اتفاق أنه عندما يحدث خلل جسيم فيجب ألا نلوم الأشخاص وإنما يجب لوم التنظيم الذي سمح بحدوث الخلل. فالتنظيم الآمن والمحكم يمنع الأفراد والمؤسسات من ارتكاب الأخطاء ويوفر السلامة والأمان للمجتمع. والتنظيم الذي نتحدث عنه هنا هو نظام المنافسات الذي وضع شروطاً وفرت فوائد للمقاول أكثر من تلك التي وفرها للمؤسسات والمجتمع. فالنظام يرى ترسية المنافسة على الأقل سعراً، وذلك يعني بشكل مباشر على المقاول الأقل جودة، والنظام سمح للمقاول بنقل مشروعه على مقاول آخر بالباطن، وهكذا ليبدأ المشروع بمئة مليون مثلا وينفذ بعشرين مليونا!! والنظام فرض عقوبات غير رادعة عند إخلال المقاول بواجباته، منها سحب المشروع منه، والذي لا يكون إلا بعد طلوع الروح، وتترتب عليه منافسة أخرى تتسبب في تأخر المشروع سنة كاملة قبل أن يستكمل المشروع!!

والنظام نفسه لم يفعل عقوبات مدنية أو جزائية على المقاول عندما يثبت قصوره في تنفيذ مشروع أو يتسبب ذلك المشروع في خسائر مادية وبشرية، وعليه لم نسمع بأحكام قضائية ضد هؤلاء المقاولين إلا حديثا ومع التحول الذي تشهده المملكة. كذلك لم يفعل دور طرف محايد بمتابعة المشاريع.

ونفس النظام فرض أنظمة صيانة غير فاعلة لتلك المشاريع بعد تنفيذها، فتجد المشروع بعد استلامه يبدأ في التهاوي بسبب سوء الصيانة وشروط عقد الصيانة ونوعية العمالة التي تقوم بتلك الصيانة. ورغم سوء عدد من المشاريع الإنشائية ومشاريع الصيانة فلم نسمع سابقا تشهيرا بتلك الشركات المنفذة ولم نسمع أنها أصبحت في القائمة السوداء!!

ولإيقاف هذا الهدر وحرصا على تحسين خدمة المجتمع كان مشروع التحول الوطني الذي أجّل المشاريع الحكومية التي لم يبدأ تنفيذها حتى يتم إصلاح نظام المنافسات، بما يكفل إنجازها بفاعلية وجودة عالية. لاسيما ومعظم المشاريع الحكومية القائمة إما متعثرة أو متأخرة، والسبب مرة أخرى هو هذا النظام المترهل الذي هو بحاجة إلى تحول حقيقي ليحمي المجتمع ويفرض رقابة على أداء المقاولين ويمنع الفساد والهدر ويفرض العقوبة الرادعة، وتكون الجودة وسرعة الإنجاز هي اللغة التي يتحدث بها ذلك النظام. ومن أجل ذلك نحتاج أيضا إلى إيقاف المقاولين الجشعين والسماح للشركات العالمية ذات السمعة العالمية بتنفيذ المشاريع.