يعرف رجال الأدب الحوار العكاظي الذي جرى بين حسان بن ثابت والأعشى، والخنساء. فقد جلس النابغة الذبياني تحت قبة من أدم (جلد) في عكاظ، وهو المحكم في شعر العرب يومئذ، فدخل عليه حسان بن ثابت، وكان عنده الأعشى والخنساء، وقد أنشد الأعشى شعره وحكم له النابغة، ثم أنشدت الخنساء قصيدتها:

(قذى بعينك أم بالعين عوار)

إلى أن قالت:

وإن صخرا لتأتم الهداة به *** كأنه علم في رأسه نار

وإن صخرا لكافينا وسيدنا *** وإن صخرا إذا نشتو لنحار

فقال النابغة: لولا أن أبا بصير (كنية الأعشى) أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر الناس، أنت والله أشعر من كل ذات مثانة، قالت: ومن كل ذي خصيتين.

قال حسان: أنا أشعر منك ومنها.. قال النابغة: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:

لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى *** وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

ولدنا بني العنقاء وابني محرق *** فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنها

فقال له النابغة: إنك لشاعر لولا أنك قللت عدد جفانك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك.

ولما أراد عمرو بن كلثوم أن تسير قصيدته (ألا هبي بصحنك فاصبحينا) في الناس ذهب لعكاظ فأنشدها فيه ثم أنشدها في موسم مكة، وكل قصائد المعلقات لم يكن الإجماع ليعقد على أنها أجود الشعر لولا أن المحكمين في عكاظ شهدوا بجودتها وأقر السامعون ذلك.

يصل إلى سوق عكاظ العرب من كل أنحاء الجزيرة.. التهامي، واليمني، والنجدي والحجازي والعراقي واليمامي والعماني، يفدون إليه من كل مكان، ولكل قطر من هذه الأقطار لهجة عربية، ويتولى دعامة الأدب واللغة في عكاظ (المحكمون) نخل وتصفية هذه اللغات حتى يبقى الأنسب والأرشق ويطرح الثقيل المجفو.

وعكاظ أول من وحّد لهجات القبائل العربية قبل نزول القرآن الكريم بأكثر من قرن، وهيأ لقريش الزعامة والتحكم في اللغة والانتقاء، فسلمت من عيوب اللهجات.

ألم تكن عكاظ تقوم بعمل المجمع اللغوي الأدبي آنذاك؟..

ويقصد عكاظ كل عام الخطباء المصاقع يخطبون، والشعراء الفحول ينشدون، والأعزة الأشراف يتفاخرون، ويتسابقون فيقدمون ما لديهم من ثقافة وفكر وأدب ولغة وخصال يعتزون بها.

وقصة خالد بن أرطأة الكلبي وجرير بن عبدالله البجلي معروفة بعكاظ، فقد ساق كل واحد منهما مالا كثيرا ينافر عليه، وعرضا الحكومة على رجالات قريش فأبوا أن يحكموا خوف الفتنة، وأخذ المتنافران ينتظران الأقرع بن حابس ليحكم بينهما فيما تنافرا عليه.

ومفاخرة ومنافرة يزيد بن عبدالمدان، وعامر بن الطفيل كانت في عكاظ، فقد اجتمعا وقدم أمية بن الأسكر الكناني وتبعته ابنة له، من أجمل أهل زمانها، فخطبها يزيد وعامر، فقالت زوجة أمية: من هذان الرجلان؟.. فقال لها أمية: هذا يزيد بن عبدالمدان، وهذا عامر بن الطفيل، فقالت: أعرف ابن المدان ولا أعرف عامرا، فقال لها: هل سمعت بملاعب الأسنة؟.. قالت: نعم. قال: فهذا ابن أخيه، وأقبل يزيد بن عبدالمدان، وهذا عامر بن الطفيل، فقالت: أعرف ابن المدان ولا أعرف عامرا، فقال لها: هل سمعت بملاعب الأسنة؟. قالت: نعم. قال: فهذا ابن أخيه، وأقبل يزيد يفاخر خصمه فقال: يا أمية أن ابن عبدالمدان صاحب الكتيبة، ورئيس مذحج، وملكم العقاب، «ومن كان يصوب أصابعه فتنتطف دما ويدلك راحتيه فتخرجان ذهبا. فقال أمية بخ بخ، مرعى ولا كالسعدان» فأرسلها مثلا.

فوجه يزيد لعامر أسئلة هي:

* هل تعلم شاعرا من قومي سار بمدحه إلى رجل من قومك؟

- قال: اللهم لا.

* وهل تعلم أن شعراء قومك يرحلون بمدائحهم إلى قومي؟.. قال: اللهم نعم.

* فهل لكم نجم يماني، أو برديماني أو سيف يماني أو ركن يماني؟.. قال: لا.

* فهل ملكناكم ولم تملكوا؟ قال: نعم.

*1975