بهذا العنوان يفترض أن يكون كتابي التاريخي الأول في دور النشر والمكتبات منذ عام 2018، ولكن لأسباب مختلفة من إجراءات وزارة الإعلام إلى المدة الزمنية «الطويلة» في مراجعة اللجنة العلمية بـ«دارة الملك عبدالعزيز للكتاب» والحصول على إذن الطباعة والفسح، ثم بعد ذلك البحث عن دار النشر المناسبة وتوقيع عقد الاتفاق والانتظار في زحام طوابير الكُتاب والمؤلفين للنشر في تلك الدار، وذلك قد يضطرني للانتظار حتى عام 2020 لطباعته ونشره أخيرا.

هذا الكتاب أو الدراسة عبارة عن رسالة قدمت استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في التاريخ تخصص «تاريخ حديث ومعاصر» بعنوان «أثر الأزمة المالية العالمية على الدولة السعودية وموقف الملك عبدالعزيز منها 1348-1353/ 1929-1934، دراسة تاريخية لعام 1439/ 2018». وقد وقع الاختيار على هذا الموضوع لأهمية هذا الحدث الاقتصادي في ذاكرة تاريخنا الوطني والذي يحسب لنا كمعجزة استطاع من خلالها الملك عبدالعزيز ورجاله بناء دولة حديثة من عدم، وتوحيدها وضبط أمنها وتطويرها، ثم السعي بها إلى مصاف الدول المتقدمة.

والمعاصر لما تعيشه المملكة اليوم من استقرار اقتصادي، وسياسي، واجتماعي، وعلى كافة أحوالها ومجالاتها، مع تطور تنموي سريع وإنجازات مستمرة على كافة الأصعدة لا يصدق أن هذه المملكة ولدت في ظل أزمة مالية طاحنة وبين مجموعة من الأزمات السياسية التي كانت قد بدأت إعمال معاول الهدم في بنائها قبل تدشينه، لتخيب بذلك كل الآمال والتطلعات التي كان الملك عبدالعزيز يرسمها قبل دخوله الرياض 1902. ففي الـ21 من جمادى الأولى من سنة 1348/ 24 أكتوبر 1929 شهد سوق الأسهم الأميركية في نيويورك أزمة مالية أصابت العالم أجمع عرفت بالكساد العظيم، ويعد الكساد العظيم أكبر وأهم فترة تدهور اقتصادي عرفها التاريخ الحديث، وذلك الانهيار خلف أزمة اقتصادية عالمية امتد تأثيرها إلى مختلف دول العالم، من ضمنها الدولة السعودية التي كانت تعرف آنذاك بمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها. وقد انعكس تأثير الأزمة الاقتصادية على الدولة السعودية انعكاسا شديدا، خاصة على موارد الدولة الأساسية حينها وهي الحج والجمارك. إذ انخفضت أعداد الحجيج إلى بيت الله إلى أقل من النصف، كما كان نتيجة لتأثر الاقتصاد العالمي بالأزمة أن نقصت معها عوائد الجمارك إلى حد كبير، مما أدى إلى تقلص واضح للدخل العام لخزينة الدولة. وقد انحصرت الدراسة جغرافيا على المنطقة التي تكونت فيها المملكة العربية السعودية، وزمنيا في المدة ما بين 1348/ 1929 وهي سنة بداية الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها، إلى عام 1353/ 1934، وعلى أن الأزمة انتهت عالميا 1352/ 1933 إلا أنها لم تنته عن بلاد الملك عبدالعزيز إلا في سنة 1353/ 1934 وذلك ما أشارت له الوثائق المحلية والأجنبية التي اعتمدت عليها الباحثة من دارة الملك عبدالعزيز.

وفي لقاء جمعني بالمؤرخ الدكتور محمد آل زلفة في مركز آل زلفة الحضاري بأحد رفيدة، وحول هذه النقطة ذكر لي الدكتور، وهو أستاذ في تاريخنا الوطني، أن الاقتصاد السعودي لم يتشاف أو يتعاف بشكل كلي من انعكاسات أزمة الكساد العظيم إلا بعد الحرب العالمية الثانية 1939/ 1945.

ومن الناحية التنظيمية احتوى الكتاب على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، ثم قائمة بالمصادر والمراجع، وقائمة بالملاحق وأخيرا الفهرس. وقد عملت فصول الدراسة على الكشف عن تأثير الأزمة الاقتصادية 1929 على المملكة خلال السنوات المحددة بعنوان الكتاب وتتبعت آثارها على الدولة السعودية، ثم بعد ذلك الكيفية التي استطاع بها الملك عبدالعزيز ومعاونوه وشعبه تجاوزها والخروج منها بأقل الخسائر، رغم صعوبة وقسوة سنوات الأزمة التي كانت فيها البلاد ما زالت في طور النشأة والتوحيد، وقبل اكتشاف الذهب الأسود الذي كان الوضع سيصبح مختلفا تماما بوجوده ثم يأتي بعد ذلك من يحاول التشكيك في طاقة وقدرات الشعب السعودي، ويرمي نجاحنا وتطورنا الذي فيه ميزتنا عن معظم دول آسيا والشرق الأوسط، على اكتشاف البترول فقط.

بعد ذلك الخاتمة التي وضعت فيها الباحثة النتائج وما اتضح لها من عملية بحث وتحليل واستكشاف استغرقتها خلال 3 أعوام من دراسة لهذا الموضوع. وإلى حين إصدار الكتاب كل الأمنيات أن تكون هناك دار نشر حكومية مستقلة مختصة بنشر وتنقيح الأبحاث والكتب التي تختص بتاريخنا الوطني والدراسات ذات الصلة، أو تسهيل عملية النشر بالنسبة لدارة الملك عبدالعزيز.