إن العنصر الأخلاقي مفقود في حضارة اليوم وهذا ما لم يعد فيه شك، وهذا ما أصبح يشكو منه عقلاء الأوروبيين الأميركيين أنفسهم، ونحن نسأل أليس هذا الفقدان جديرا بأن يكون في طليعة أسباب الحروب العالمية المتتابعة، وما يراه العالم على الدوام من تلبد الجو، وتوالي الأحداث والخطوب، ووقوع الأمم جميعا فريسة لهذه الحروب وما يتبعها من ذيول؟!
أين العنصر الأخلاقي في هذه الحضارة، وقد أصبح الصدق معدوما فيها، والوفاء بالعهود ليس له وجود، ومراعاة حقوق الإنسان أو مراعاة حقوق الشعوب في إعطائها حرياتها أصبحت من الأمور المستحيلة.. ومن المخزي – ولا سيما وأنه لا يتفق مع الأخلاق - أن أكثر الشعوب تراعي حقوقها قولا فقط.. وفي وقت الشدائد والأزمات.. حتى إذا جاء وقت الفعل والتنفيذ بعد أن تنقشع السحب، ويصفو الجو وتذهب الشدائد ويرتفع كابوس الأزمات.. إذا بكل ما قيل يصبح أسطورة.. وإذا بكل ما وعدت به الشعوب يتبخر مع الريح، كأن لا قيمة للأقوال مطلقا، ولا قيمة للوعود والعهود مطلقا، ولا قيمة لأي معنى من معاني الأخلاق!
أين العنصر الأخلاقي في حضارة اليوم، وهي لا تزال تئن في نفس مواطنها من جور تحكم الطبقات وطغيان الرأسمالية، ودسائس رجال الأحزاب، وألاعيب السياسيين المحترفين، ولا تنس بعد هذا ما عرف عن هذه الحضارة من إباحتها للإباحية.. واستهتارها بالاستهتار.. إلى آخر ما هنالك مما يجوز ذكره هنا ولما يجوز.. ! وقصة هذه الحضارة مع الشرق معروف أمرها.. إنها قصة الاستعمار بل هي قصة التحكم بالغضب وإذلال الشرقيين واستغلال خيرات بلدانهم ولا تزال هذه القصة إلى الآن على المسرح ولما ينته فصلها الأخير..! أين العنصر الأخلاقي من حضارة اليوم وقد رأى العالم في قضية فلسطين أشنع الأمثلة على التفسخ الأخلاقي «واللامبالاة» بأي حق أو أي إنصاف أو أي عرف أو أي قانون؟! الحق أن حضارة اليوم قد أثبتت فعلا تجردها التام من أهم العناصر الأساسية اللازمة لبناء كل حضارة في الوجود.. إنها حضارة بلا أخلاق.. ولسنا في هذا نتجنى عليها، فهل يعيد التاريخ نفسه، لكي يرى الناس مصيرا لهذه الحضارة شبيها بالمصير الذي آلت إليه كل حضارة من هذا النوع قضي عليها أن تنهار بأسباب فقرها إلى العنصر الأخلاقي؟!
*1983