هل من الأفضل للوزير أن يستقطب قيادات من خارج الوزارة، أم ينظر إلى الكفاءات الموجودة داخل أروقة الوزارة؟. هذا السؤال الجوهري والذي يدور في ذهن كثير من موظفي أي وزارة عندما يعين وزيرا من خارج منظومة الوزارة أو من الوزارة نفسها، فقد يكون الإجراء محفزا للانطلاقة، وقد يكون قاتلا ومحبطا للطاقة التي تكمن في بعض الموظفين. كيف ذلك؟ لعل الإجابة عن مثل هذا التساؤل العملي، وأقصد بالعملي هنا، أنه لا مجال للتنظير المبني على التجارب أو البراهين في مثل هذه الأمور، لإعطاء حلول غير منطقية أو تلك التي يحسبها الظمآن ماء، لأن الوزير مطالب بنتائج عملية وخطة عمل تحقق الأهداف الإستراتيجية الكبرى، ويجد أن الطريق الأفضل لتحقيق خطته باستخدام الأسلوب التقليدي المعروف والذي يعمد إليه، وهو استقطاب أشخاص يعملون معه من خارج الوزارة كفريق عمل وقيادات، ويكون هذا الاستقطاب معتمدا في الأساس على مبدأ الثقة والإخلاص، وقليل من التجربة والخبرة والكفاءة. فهذا ما دأب عليه كثير من الوزراء لأنه الأسلوب الأكثر أريحية لهم ورواجا، ولكنه في الحقيقة الأقل إنتاجية وكفاءة وإنجازا، والأسباب في ذلك كثيرة، من ضمنها أن الوزارات مليئة بالأنظمة والتعليمات والقوانين، فيحتاج الموظفون المستقطبون إلى الوقت والفهم الإداري ومعرفة القوانين والإجراءات، حتى يتكيف معها أو يغيرها ليحقق الهدف الإستراتيجي المنشود، وهذا يتطلب جهدا وبعض الوقت كما أسلفنا، وقد ينتج عن ذلك بعض التعطيل لحركة خدمات الوزارة أيا كان نوعها، أو الاستمرار لبعض الوقت على النمط القديم نفسه. ولحل مثل هذه الإشكالية والمعضلة يلجأ عادة الفريق الجديد إلى الاعتماد على الصف الثاني في جمع معلوماته، ويبني عليها خططه لتقديمها إلى الوزير. ونتيجة لذلك لا تجد تغيرا كبيرا في إستراتيجية الوزارة، وإنما استمرار في المشاكل التي كانت تعوق الوزارة، وفي بعض الأحيان تطرح بعض الأفكار القديمة على هيئة مبادرات جديدة لا تؤتي أكلها كما رسم وخطط لها، كهروب إلى الأمام. وأمام ذلك كله نتساءل ما الحل الأمثل لنجاح الوزير، وإدارة وزارته، ليحقق أهدافه بالاستقطاب؟. بحسب التجارب والأدلة المعتمدة على البراهين نجد أن أسلوب الدمج بين الفريق الجديد الذي يستند عليه الوزير، وبين اكتشاف القيادات الجديدة في الوزارة نفسها، والذين لديهم طموحات نحو التغيير، وأصحاب مبادرات نوعية، لأن مبادراتهم خرجت من رحم المشاكل أو الاستشراف، وهم بذلك أعلم بها من غيرهم، وذلك من واقع الخبرة التي تكونت عندهم. ولكنهم ليسوا معروفين أو ذوي مناصب عليا، فقد يكونون في وسط الهرم ويحتاجون إلى اكتشاف وتفجير الطاقات التي بداخلهم، وهنا تبدأ مرحلة استكشافهم، والتي تعتبر أهم المهام الأساسية للفريق الجديد، والتي يعول عليها الكثير. فهم الوسيلة التي من خلالها تستطيع توجيه وصناعة السياسة الإنتاجية للوزارة. وبسب تلاقح الآراء وتوليد الأفكار مع الحلول الواقعية المبنية على التجارب أكثر منها على الفرضيات، من قبل أهل الخبرة والتصور الجديد للمستشارين، ليكتمل رسم لوحة تطويرية لأي وزارة، ألوانها قائمة على الاستقطاب، وبروازها قائم على الخبرة، فمهما كان المستقطبون يحملون من معرفة فأهل مكة أدرى بشعابها.