مقالي اليوم فرضه واقع رسمي وشعبي، حيث يتم أحيانا إلزام الناس بفتاوى في مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف وليست محل إجماع حقيقي، وهذا هو التحكم بالرأي والمصادرة لرأي الآخر، وهو محرم بالاتفاق، وعليه رأيت طرح هذا الموضوع ومعالجته شرعا.

ولا بد للمفتي -لا سيما في هذا العصر- أن يكون مستوفيا لفقهين (الواقع والنص)، وجامعا لسبعة من علوم الشريعة هي: (الفقه وأصوله، ومدخله وتاريخه، وقواعده ومقاصده، وسياسته الشرعية)، ومن لم يكن كذلك فلن يكون أهلاً للفتوى، سواء في الشأن العام أو حتى في الشأن الخاص.

وأما الفتوى وفق الشريعة فتكون في نوعين من حيث (مسائل الإجماع والخلاف)، ومن حيث (مسائل الشأن العام والخاص)، ومن حيث (المجتهِد والمقلِّد)، ومن حيث (المفتي والحاكم)، ومن حيث (الإلزام وعدمه)، ومن حيث (الفتوى والقضاء)، ولا بد لنا من معرفة هذه الأمور بوضوح حتى لا نغلط ولا يغالطنا أحد.

فمسائل الإجماع الحقيقي قليلة جدا، وغالب مسائله غير ثابتة، وعليه فلا يجوز ادعاء الإجماع بلا دليل، وبالتالي فغالب مسائل الفقه محل خلاف، ويجوز فيه تعدد الاجتهادات، فللمجتهد (بدرجات الاجتهاد الست) ترجيح ما يراه، ويترتب عليه أمران هما (واجبه بألا يتحكم ويلزم الناس به)، و(حقه بألا تتم مصادرة رأيه)، بمعنى لا تصادر غيرك وتلزمه برأيك ولا يصادرك غيرك، وكلٌّ يعمل ويفتي بترجيحه، ويصبح المجتهد بين الأجر والأجرين، وللمقلد الاختيار.