ليس هنالك أسوأ من وأد الأحلام في رحم الواقع المرير، لكن إن أردت الأسوأ والأعظم مرارة، أن تُستغل الأحلام من قبل من اعتقدت أن أحلامك معهم. ليس هنالك أشد وباءً على هذه الأرض الطيبة من أن تتكدس بالشباب المليء بالطموح، الفارغ من العطاء، والسجل الخالي من التقدم والنماء. ترى وتسمع كثيراً، ويخيل لك أنك قد حصلت على الوظيفة الحلم، والباب خلف الباب يفتح، والأمنيات تتسابق في حضرة الخيال. من تبادر هي الأولى، تبدأ ساعات الصباح الأولى باتصال يسألك وتشعر بأنه يعانقك، فلان بن فلان؟! نعم تفضل، لقد تم قبولك في الوظيفة الحلم، أهلا وسهلا بك، تكاد تشعر أنك تعيش حلماً، وأنك لمّا تستيقظ منه بعد، حتى تتأكد من صوت أمك خلف الباب، تردد الدعوات الدائمة: اللهم يا معطي اعطِ ذُريتي، يومٌ يجر يوماً خلفه، ببطء، في انتظار أن يأتي ذلك الصباح الذي تستيقط فيه قبل أوان استيقاظك، وتلبس أفضل ما لديك، وتنسى أن تتناول إفطارك خوف أن تُحسب متأخرا، وتصل بعد حارس الباب. أمنيات شاسعة وخيالات تكاد تفقدك اهتمامك بالواقع، وكأنك قذفت بسنارتك في بحر الأمنيات، وانتظرت طويلاً أن تعود لك مُثقلة ومُحملة بالواقع المبهج، الذي هو في الحقيقة كان منتظراً.

يوم خلف يوم، ويطول الأمد، حتى أنك تبدأ تستعيد ذكرى ذلك الاتصال، لا بد أنه كان حلماً، لأن الواقع لا يمكن أن يكون مؤلماً مرتين!. طال الانتظار، نعم طال، امتلأت باليأس، تكاد عيني تشهد بالأمر قبل أن يشهد تذمري المتكرر، وبعد البحث المستمر والتقصي المضني تتفاجأ بأن الاتصال كان مجهولاً، من مكانٍ يكاد يكون شبه معدوم، وأن كل ما جرى لم يكن سوى وهم.. نعم وهم!.

فئة سمّت نفسها بمؤسسة ودبّت في الأرض، استغلت بذرة أوشكت على الانشطار، فانتبذتها من أصلها كأنها لم تكن. والسؤال الدائم المتكرر لماذا؟ ومن المسؤول عن هذا؟ وهل لا بد أن تنتهي كل الأحلام وأن يكون جزاء الانتظار، أن الأمر وهمي؟ وأن ترديد التحسب في داخلك يفي بالغرض؟ وماذا بعد؟!

كم من الهزائم تكفي حتى يُنظر في الأمر، أو بالأحرى كم من الوقت يجب أن يُنتظر، حتى تُبتر يد من بتر أحلاما؟ وهل يعاد الأمل إلى أروقة انتظار؟ من المسؤول؟