مررتُ بحياتي بمنعطفاتٍ كثيرة منها الجميل والقبيح والرائع والمفرح والمبكي.

كنت شابا يافعا عاش في مجتمع محافظ أعتقد ذلك خاصة في كبار السن، أما جيلي فعاشَ صراع المحافظة على العادات والتقاليد والتعصب لعالم معين والبعد عن الاجتهاد أو النزوع للتقدم والتمرد على الماضي، فأنا من جيل الثمانينات الذي هو جيل آباء وأمهات ومتخذي قرارات اليوم.

عشتُ مراحل كثيرة، وشهدت ما شهدته البوسنة وأفغانستان وسقوط بغداد وصدام، وعشت أيام الربيع العربي الخريفي، ورأيت رؤساء دول سقطوا وسجنوا وذهبت معهم أساطيرهم.

كنت في المدرسة لا أحب حصة التربية الفنية، ولكن كان هناك زملاء ينقشون على كراسة الرسم إبداعهم وخيالهم وعند انتهائهم إذا كانت في الرسمة من ذوات الروح (شخط عليها) حتى لا تكون عذابا عليه يوم الحساب كما كان يُقال.

عشت أيام دخول الأطباق الفضائية (الدش)، وأذكر أن أحد أبناء حارتنا كان يحب تربية الطيور، وبحكم هوايته فقد كان فوق سطح بيتهم كل عصرية، واكتشف بنفسه أن أحد المستأجرين للعمارة التي بجانبهم يركب الدش ففرح بهذا الاكتشاف، وأخذ يخبر كل أطفال الحارة، وانتشر الخبر في الحارة كلها حتى أخبر مالك العمارة، فذهب للمستأجر قائلا: لقد اشترطت على مكتب العقار أن المستأجر ما يركب دش وخيره بين الخروج من عمارته أو رمي الدش في القمامة، فاختار الثانية وتاب.

ولا أنسى الجوال أبو كاميرا الذي كان ممنوعا خوفا من التصوير وانتهاكه الخصوصيات، وكان إذا شُوهدت امرأة معها جوال بكاميرا قيل عنها (شكلها ماهي مزبوطة ذا الحرمة) كيف يرضون أهلها بأن تستعمل الجوال، وبعدها انتشرت مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة.

وكان الشاب في تلك الفترة إذا أراد الزواج في الغالب لا يرتبط بفتاة لديها جوال أو تعمل في مستشفى حتى لو كانت دكتورة، ولا بأس بمعلمةٍ لتساعده، أما الآن فأول هدية يقدمها الخاطب لخطيبته آخر جوال نزل في السوق.

لقد كنا نعامل العمالة غير المسلمة بجلافة ووقاحة، وكان القائل منهم يقول: إذا شفت الكافر فأحشره في أقرب زاوية، ولا توسع له في الطريق ولا تبتسم له.

الغناء وما أدراك ما الغناء، والابتعاث للدراسة خارج المملكة، ولبس الجينز، وعباءة الكتف للمرأة.

ونصيحتي لكل إنسان يتأثر بكلام الناس أن يعي أنه لن يسلم من ألسنة الناس إن كان من أوائل من يتغير؛ لأن أي مجتمع سيكون فيه من يعارض التغيير، وإن كنت تعير كلام الناس اهتماما فلا تكن من السباقين للتغيير، وانتظر حتى يتشرب المجتمع العادة وحينئذ قم بالتغيير وستسلم من الألسنة الحداد.

لقد مررتُ في حياتي بهذه المشاهد، والآن تغيرَ الوضع، أصبح في كل بيت جهاز استقبال، وأصبح الجوال لا يعرف إلا بمدى دقة تصوير الكاميرا، وبات في يد كل رجل وامرأة، وأصبحت المرأة العاملة حلم كل شاب يريد الزواج، وأصبحنا نلبس الجينز، وعاد الطلاب المبتعثون للدراسة، وكانت الغالبية منهم أكفاء استفادوا من بعثاتهم التعليمية، واكتسبوا من البلدان التي ابتعثوا إليها كل حسن وتركوا كل قبيح.

وباتت قيادة المرأة للسيارة أمرا طبيعيا سلسا لا ينتقص من المرأة وأهلها.