رغم أن الغالبية ترجح حدوث تأثيرات اقتصادية عنيفة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الداخل والخارج، إلا أن الأمر برمته لا يخلو من تداعيات سياسية تتسبب فيها مواقف المملكة المتحدة في الشأن الثنائي أو تجاه القضايا الدولية مثل قضية السلام في فلسطين والتعامل مع إيران والخليج وقضايا الشرق الأوسط. صحيح أن مناصري خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصفوا بريكست في أيامه الأولى بعد التصويت مباشرة بالربيع العربي في المملكة المتحدة، واتفق معهم أيضاً مناهضوهم في الوصف، ولكنهم قالوا إن «الخروج جاء بلا خطط مدروسة مثلما جاء الربيع في المنطقة العربية وذهب بلا إحداث أي تغيير فعلي موجب».

صعود المؤسسات الإقليمية

ويشير موقع global risk insights إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد يمكن أن يؤدي بلا شك إلى صعود المؤسسات الإقليمية وبروز شبكات التحالفات الأخرى، مما يعطي دورا أكبر للقوى العالمية الأخرى مثل الصين التي تتمتع بحضور اقتصادي قوي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال تطوير المزيد من التحالفات السياسية والاستراتيجية في المنطقة. ورأى أنه سيكون لبريكست تأثير عميق على مستوى العالم وبالتأكيد في الشرق الأوسط ويمكن للمنظمات الإقليمية مثل دول مجلس التعاون الخليجي تطوير بنية أمنية واقتصادية أقوى في الشرق الأوسط، مما يوفر دورًا أكبر للجهات الفاعلة الإقليمية في مكافحة المعضلات الأمنية والقضايا الاقتصادية، رغم أن الخلافات السياسية الحالية قد تعيق جهود التعاون المحتمل.

تغيرات دراماتيكية

ولكن الآن يتخوف العديد من المراقبين بعد صعود بوريس جونسون إلى رئاسة الحكومة البريطانية من تغيرات دراماتيكية قد تشهدها السياسة الخارجية والداخلية لبريطانيا، قد تؤدي إلى اختلافات مفصلية بين المملكة المتحدة والقارة العجوز، نظراً للسياسات الحادة لجونسون وربما غير المدروسة التي قد تعزلها عن محيطها، وتقعد بالدور البريطاني تجاه القضايا الدولية كإحدى الدول العظمى.

شكوك من حماس ترمب

يشكك القادة الأوروبيون تجاه الحماس الذي يبديه دونالد ترمب والإدارة الأميركية في دعم تسريع خروج بريطانيا للاتحاد الأوروبي وتأييد وجهة نظر جونسون، ومغادرة التكتل بلا اتفاق، تماماً مثلما شككوا قبل ثلاث سنوات في دعم الولايات المتحدة للاستفتاء وفكرة الخروج، فضلاً عن دعم مماثل لروسيا والصين، ما يؤكد أن جميع هذه العناصر تدرك أن النتيجة ستكون مملكة واتحاد بلا قوة مقابل تعزيز للنفوذ الدولي لتلك العناصر.

ورجح أحد محللي موقع Middle East Institute أن يكتفي البريطانيون بعد الخروج بتبعيتهم للولايات المتحدة بدلاً من الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن المملكة المتحدة ظلت حتى كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي تحاول في كثير من الأحيان تحقيق أهدافها الخاصة، متحدية المواقف الرسمية للتكتل ومصالح الدول الأوروبية الأخرى، وبالتالي اتخاذ مواقف أكثر تشدداً في قضايا الشرق الأوسط مثل الموقف المناهض لإيران والداعم لإسرائيل.

دعم القضايا الأوروبية

وتساءل المراقبون ما إذا كانت بريطانيا ستدعم القضايا الأوروبية بعد البريكست، وتساند مواقفها السياسية والاجتماعية والإنسانية في منطقة الشرق الأوسط مثل دعم مستقبل سورية، والعمل على حل النزاع العربي الإسرائيلي، والتنفيذ الكامل لاتفاقية ستوكهولم بشأن اليمن، وتسدد جميع الالتزامات المالية التي تنطوي عليها هذه الجهود. ولكن في المقابل يتوقع بعض المراقبين أن تؤدي مغادرة بريطانيا للاتحاد إلى فقدان قوتها وريادتها في مناصرة القضايا الدولية، خصوصاً ما يدور في الشرق الأوسط، وقد تبدو لندن ضعيفة أو تابعة في أفضل الحالات أمام سطوة الولايات المتحدة التي باتت تؤيد سياسات إسرائيل وتكتفي بمواقف مبهمة حيال المواقف الإيرانية المزعزعة لاستقرار المنطقة، فضلاً عن المواقف الهزيلة التي تبديها بريطانيا حيال أزمة السفن مع طهران.

أزمة لندن مع طهران

وتقف بريطانيا حالياً وحيدة أمام أزمتها مع إيران وكيفية التعاطي معها، فيما تتراوح دعوات ترمب بحشد تأييد أوروبي ودولي لإنشاء قوّة بحريّة عسكريّة تتولى حماية السفن في الخليج مكانها، بالتالي فإن خروج لندن عن الاتحاد الأوروبي في خضم هذه الأزمات يتوقع أن ينتج مملكة ضعيفة أشبه فعلياً بدول الربيع العربي وتظل مهمومة بمكافحة الغلاء وإنقاذ تدهور الجنيه الإسترليني.

ولكن يرجح أن تأتي كل الاحتمالات مختلفة، في حال وصول جيرمي كوربين زعيم حزب العمال المعارض للسلطة، إذ تشهد الساحة تغيرات أكثر شذوذا في السياسة البريطانية إزاء الشرق الأوسط خلال حقبة ما بعد خروج المملكة المتحدة، وربما يحدث ذلك غير بعيد بالفعل حال دعوة جونسون إلى عقد انتخابات مبكرة خلال الأسابيع المقبلة، نظراً إلى أن كوربين يعجب بكل حكومة ما دامت هي معادية للولايات المتحدة.

كيف هي بريطانيا بعد بريكست؟

خروج بريطانيا يشجع صعود المؤسسات الإقليمية الأخرى

السياسات غير المدروسة لجونسون قد تعزلها عن أوروبا

يكتفي البريطانيون بعد الخروج بتبعيتهم للولايات المتحدة بدلاً من أوروبا

تؤدي مغادرة بريطانيا إلى فقدان قوتها وريادتها في القضايا الدولية

تبدو لندن ضعيفة أو تابعة في أفضل الحالات ومؤيدة لسياسات إسرائيل