يُعرّف الفساد، بأنه ضد الصلاح، فمن أفسد الشيء هو من أساء استعماله، ويعرف اصطلاحاً: بأنه إساءة استخدام السلطة الممنوحة وتعظيم المصلحة الشخصية. ويتولد الفساد في المجتمعات ويربو؛ حين تَضعُف الرقابة ويغيب العقاب وتُفتقَد القيم والمبادئ وينحسر الوازع الديني، ولأن تأثيره عميق وواسع، فإن الله تعالى شدد على عباده بالابتعاد عنه، لأنه مَهلَكة ولأنه سبب لكل نقمة.

يعيش الوطن -بفضل الله- ويحتفي؛ بسلسلة من الإصلاحات والمبادرات والبرامج التنموية التي لامست كافة جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، بهدف تصحيح المسار التنموي بمجمل أطيافه ومجالاته المؤسسية والبشرية؛ من أجل تعظيم الفائدة الوطنية لجميع مقدراتنا التي وهبنا الله إياها، ولنحافظ على منجزاتنا التي يسرنا الله لتحقيقها، ولنرتقي بها لمستوى يَشرُفْ به الوطن والمواطنين.

وإن الحرب على الفساد بكافة أشكاله ومستوياته، لتُعد السلاح الأجدى والأقوى، في التمكين من تصحيح المسار التنموي الذي نتطلع إليه ونسعى إلى تحقيقه؛ عبر مجموعة من البرامج والسياسات الفاعلة التي تحتوي على جميع المؤثرات والمتغيرات، التي ساهمت في تعثر مسيرة مشروعنا التنموي لسنوات، وعطلته عن تحقيق أهدافه كما خُطط له، فحُرِم الوطن والمواطنون من جني ثمار جهود كبيرة بُذلت وأموال أُنفقت بسخاء، كنتيجة لانتشار الفساد كأخطبوط شره ينهش في جسد الوطن والمواطنين.

وعلى الرغم من الضرر الفادح الذي يُلحقه الفساد بمجمل مقدراتنا التنموية والبشرية في مختلف المجالات، إلا أن الفساد المتصل بمؤسساتنا التعليمية؛ يعتبر رأس الحربة والسم القاتل الذي يسري في مؤسساتنا ليدمرها، لأن المؤسسات التعليمية هي الحاضن المسؤول عن مستوى مخرجاتنا العلمية وبما تحمله من قيم ومبادئ ومعارف وانتماء، وقد صرح وزير التعليم بأن الخلل تجاوز الوزارة إلى الملحقيات، وفسر الخلل بالمحسوبيات في الابتعاث والتوظيف، وهذا شكل من أشكال الفساد.

وإن الفساد ليس هو الفساد المالي، وإنما يشمل المنظومة المؤسسية والإدارية والتعليمية؛ ليستحق المساءلة والحوكمة للمحاسبة، سواء من وزارة التعليم التي تمثل المظلة الرسمية المسؤولة عما يجري في مؤسساتها من تجاوزات كبيرة، أو من الجهات المعنية بمتابعة ومراقبة مستوى النزاهة والمصداقية في الأداء الرسمي للمؤسسات، كجزء أساسي من مسؤولياتها وسعيها نحو القضاء على الفساد، تنفيذاً لتوجهات القيادة رعاها الله، والتزاماً بتحقيق الرؤية المعنية بتصحيح مسارنا التنموي، والذي يمثل التعليم قطبه المركزي ووسيلته التنموية الفاعلة المؤثرة.

وبالتنويه لبعض القضايا التي تفشت في منظومته كسرطان يستعصي علاجه، فإن الإشارة لبعض القضايا البارزة في التعليم العالي، توضح تضخم حجم ملف الفساد التعليمي في الجامعات، بجانبيه المؤسسي والأكاديمي.

عندما تمُنح بعض الجامعات الاعتماد المؤسسي والأكاديمي، وهي زاخرة بالتجاوزات الإدارية والتنظيمية والأكاديمية، التي تناقض كل معايير الجودة في الأداء والمصداقية في الإدارة، عندما يتم تعيين القيادات الإدارية والأكاديمية بناء على العلاقات الشخصية والعائلية بعيداً عن المعايير العلمية والأكاديمية المستحقة، وعندما يحظى الأقرباء والمعارف بالتوظيف والترقيات وتراكم التكاليف، بينما يُستبعد المواطن الكفء ويهمش الأفضل، وعندما تُقبل مستويات متدنية من الطلاب بحكم الواسطة ويحرم الأفضل، وعندما يستحق البعض علاوات وبدلات ومميزات، ويُحرم منها آخرون لهم نفس الاستحقاق، وعندما تمنح الدرجات العلمية للترقية بسهولة للبعض وتعرقل لآخرون، عندما تُعتمد أبحاث منشورة، دون تمحيص ومناقشة علمية لمصداقية تلك الأبحاث في إعدادها ونشرها، عندما يتميز بعض الباحثين في الجامعات بنشر أبحاث يصل معدلها إلى عدد أيام السنة ونحوه، دون استنكار ومساءلة وتقصٍ لحقيقة ذلك، وعندما تُشترى البحوث والشهادات العلمية ويثبت ضعفها أو تزويرها، ولا توجد جهة أو هيئة علمية معنية بالمصادقة والتمحيص لإثبات أحقيتها أو حوكمتها، عندما تتضمن المناهج خططا دراسية قديمة لا تخدم تطلعاتنا، ولا تواكب ما يجري في جامعات العالم المتقدم من تطوير وتحديث، عندما تفتقد أساليب الدراسة والتقييم، لأبسط القواعد التربوية الحديثة في الأداء، وعندما تعجز البيئة التعليمية عن توفير المتطلبات الأساسية للتعليم ولإجراء البحوث والتدريب رغم الميزانيات المرصودة، عندما يتم التلاعب في آلية التوظيف ويعلن عنها شكلياً، ولا يتوظف أحد من الكفاءات الوطنية، عندما تُهمّش الكفاءات المتخصصة الخبيرة، وتتصدر الكفاءات الضحلة الضعيفة، عندما يُحرم الأكاديمي المتقاعد من مستحقات نهاية الخدمة لسنوات بسبب فساد إداري ومالي، عندما تتراكم الشكاوى ضدهم في المحاكم الإدارية وتثبُت تجاوزاتهم، عندما يُلغى عقد أكاديمي مواطن بدرجة أستاذ دون إشعاره، ليعمل بدون راتب حتى يكتشف مصادفة أنه تم الاستغناء عن خدماته، عندما تُوكَل المشاريع الجامعية لذوي القربى والأكاديميين....وووو، وجميع ذلك ثري بالتفاصيل المهولة التي تُفسر الأسباب المتراكمة التي تقف وراء ضعف المخرجات وسوء الأداء الأكاديمي والإداري والمؤسسي، كنتيجة لغياب الحوكمة والمساءلة والمحاسبة للقيادات العليا في الجامعات.

أصبحنا نعيش في زمن يمارس الناس الفساد ولا يعترفون به، بل وينكرونه ويَدَّعون أنهم مصلحون مصداقاً لقوله تعالى «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون» (البقرة، الآية: 11)، ولذلك أمرنا الله وحثّنا على محاربة الفساد والمفسدين لعظم ضررهم وعمق تأثيرهم.