لا شك أن الحديث عن أضرار التدخين قد يكون موضوعا مستهلكاً، وسيمر بشكل عابر لا سيما ومعظم مبادرات التحذير من مخاطر التدخين على الأفراد والمجتمعات غير فاعلة. كما أن المدخن لا يلتزم بأي من النصائح، أو يلتفت إليها إلا عندما يتعرض لأزمة حقيقية على شكل سرطان متقدم، أو ذبحة صدرية تهدد حياته، عندها يبدأ فعلياً في مراجعة حساباته، ومحاولة التخلص من الخطر الذي يهدد صحته وأفراد أسرته. ولكن عندما يمتد الخطر ليقتل طفلاً في رحم أمه، أو طفلاً في ربيع عمره، عندها تكون مسؤولية المجتمع محاربة هذا الخطر، وحماية جيل من مستقبل مجهول، لا سيما مع ارتفاع ظاهرة التدخين بشكل غير مسبوق وفي كلا الجنسين.

أعلنت النرويج في العام 2004 قانون منع التدخين رسمياً في المؤسسات الحكومية والشركات والأماكن العامة والمطاعم والمقاهي، وذلك من أجل حماية غير المدخنين من أضرار استنشاق الدخان فيما يسمى بالتدخين السلبي، لا سيما في ظل ارتفاع ملحوظ لإصابات السرطان وأمراض القلب والشرايين. ويتضمن القانون النرويجي أن من حق صاحب العمل طرد أي موظف من عمله، بعد عدد من الإنذارات لمخالفته قانون منع التدخين. وفي إيطاليا تم توكيل الشرطة بمهمة منع التدخين في الأماكن العامة وإصدار العقوبات والغرامات. أما في إيرلندا فتقوم الشرطة بالتخفي في أزياء مدنية لمراقبة تطبيق نظام منع التدخين، ووضعت خطاً ساخناً للإبلاغ عن منتهكي القانون وإيقاع عقوبات مالية كبيرة. وتقدر التكلفة الإجمالية لعلاج مضاعفات التدخين في الدول المتقدمة بما يقارب مئة مليار دولار سنويا.. والتدخين السلبي هو استنشاق الشخص غير المدخن دخان السجائر نتيجة مجالسته المدخنين.

وحقيقة فالمدخنون السلبيون قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض السرطان والجلطات القلبية، ففي دراسة أجريت بولاية مونتانا الأميركية، ومع إصدار قانون يمنع التدخين في الأماكن العامة، لوحظ انخفاض حالات الجلطات القلبية التي تدخل إلى المستشفى بنسبة 40 %.

كما أثبتت دراسة في نيوزلندا أن الأشخاص الذين لا يدخنون ولكنهم يعيشون مع مدخنين، فإن احتمالية الوفاة المبكرة تزداد لديهم بنسبة 15 % بعد مرور أكثر من سنة. وفي بريطانيا يقتل التدخين السلبي ما لا يقل عن ألف شخص سنويا. أما الكارثة الكبرى فهو ما تعانيه الأم الحامل وجنينها من أخطار التدخين السلبي، فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال المصابين بأمراض الربو والتهابات الرئة المتكررة، هم أكثر في العائلات التي يدخن فيها أفراد الأسرة. ولا يقتصر تأثير التدخين السلبي على ظهور الأمراض في أولئك الأطفال، ولكن قد يمتد ليشمل إصابتهم بصعوبات في التعلم والقراءة. كما أن الأمهات اللاتي يعشن في بيئة يكثر فيها التدخين يكن أكثر عرضة للموت المفاجئ لهن أو لأجنتهن. وعلينا تذكر أن مادة النيكوتين ومواد التدخين السامة الأخرى تنتقل عن طريق حليب الأم أثناء الرضاعة.

هناك قوانين لدينا تمنع التدخين ولكنها للأسف غير مفعلة، ولا توجد جهة مسؤولة أو مسؤولية مجتمعية لتفعيل هذه القوانين. بل ما نلاحظه أن المدخنين في الدوائر الحكومية والخاصة لا يفضلون التدخين إلا تحت لوحة (ممنوع التدخين).