الوسطية ليست شعاراً يُطلق، أو دعوى تُزعم، ولا «بايو» في تويتر يُكتب، أو في المجالس الخاصة يُعلن، وإنما اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان.

فأرني وسطيتك بفكرك الذي أسمعه من لسانك وأقرؤه من بنانك وأعيشه في سلوكك مع نفسك وأهلك ومجتمعك والعالم.

ولذا الوسطي على ثلاث درجات من حيث القوة.

أولها «القوي» كقوله تعالى (يا يحيى خذ الكتاب بقوة)، وهو القادر على إبداء وسطيته بلسانه وبنانه أمام الملأ، والعمل بها، والدعوة إليها، والصبر عليها.

وثانيها «الضعيف» غير القادر على الصدع بوسطيته، ولكنه يعيشها في سلوكه ولا يناقض نفسه ولا يزايد على غيره، ولا يقف ضد الوسطية والوسطيين وهو يدعيها.

وثالثها «الأضعف» المتناقض، وهو الذي تراه يزعم الوسطية ولكنه لا يصدع بها كالأول، ولا يكتفي بإخفائها وهو يمارسها كالثاني، وإنما ينساق مع المتطرفين إما قناعة بهم وبالتالي يكذب في وسطيته، أو يخاف منهم فيصطف معهم، وإما يبحث عن مصالحه بهذا التناقض والتلون، وهذا هو الوسطي المتطرف، لكون وسطيته مجرد مزاعم وفي أحسن الأحوال مجرد فكر مستتر ويمارس نقيضه، فتراه في مجالسه الخاصة يرى الوسطية وفكره معتدل ثم يمارس نقيضه قولاً وفعلاً في العلن إما درءًا لمفسدة خاصة موهومة أو جلباً لمصلحة خاصة مأزومة، وبعضهم لا يكتفي بذلك وإنما يهاجم الوسطيين ويزايد عليهم في دينهم، وهذا أراه أخطر من المتطرف غير المتناقض.