شهد قرار دمج الصفوف الأولية الذي أقرته وزارة التعليم، وكغيره من القرارات التي تقرها وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية، تباين ردات الفعل بين رفض ومناشدة بالعدول، أو قبول وتأييد. وبرأيي إن القرار هو من أهم وأبرز القرارات التي أقرتها وزارة التعليم طوال عقود، ذلك لأن إيجابياته لا تقتصر على الناحية التعليمية فقط، بل تشمل الاتجاهات الفكرية والسلوكية والنفسية لدى الأطفال، وتعالج ما بداخلهم من ترسبات وتشوهات مر بها مجتمعهم الأسري، والتي كان لها الأثر الواضح عليهم في تعابيرهم وسلوكياتهم. ثم إن القرار لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتاج لدراسة اللجنة التي شكلت منذ عام 2017 لدراسة دمج الصفوف الأولية، واستنادا على التجربة الفعلية للعديد من المدارس الأهلية التي نجحت في تنفيذ التجربة منذ سنوات، وأظهرت نتائج مقارنة المخرجات بتميز مستوياتهم واختلافها عن الأطفال الآخرين. وبناء عليه وللنهوض بالعملية التعليمية من قبل الوزارة تم اعتماد القرار. لسنا هنا للحديث عن إيجابيات القرار ومنافعه، إذ سيطول الحديث، ولكن بعد اعتماد القرار ظهرت لنا أشكال وأنواع للرافضين له والمتعصبين ضده، والغريب ما نراه من دوافع بحجة أنه اختلاط!!، رغم أن الأطفال -ذكورا وإناثا- يختلطون مع بعضهم في المناسبات والملاهي والأسواق والفعاليات، ولا أحد ينكر عليهم. وبمجرد صدر قرار دمج الأطفال في المرحلة الأولية فقط، ولمن هم دون التاسعة عمرا، بالإضافة إلى وجود الرقابة عليهم، أصبح الوضع فسادا واختلاطا وانحلالا.

بالنظر للجماعة المعترضة، نستطيع تقسيمهم إلى ثلاث فئات حسب تاريخهم في الاعتراض على كل ما هو جديد، وحججهم وطرقهم وأساليبهم في التعبير عن رفضهم. أما الأولى وهي كما ذكرت فئة معارضة لكل قرار جديد أيا كان هذا القرار، خاصة تلك القرارات التي تلامس الجنس الآخر بأي شكل من الأشكال، وبناء على تاريخهم فهم يرون أنه من باب الاحتساب وجب عليهم الإنكار والتحريض ونشر الأقاويل والاتهامات قدر ما استطاعوا، كما أنهم تميزوا بكرههم الحياة ومحاربتهم التغيير، وقد جرت العادة على أن يبدؤوا معارضتهم للقرار بمقولة «دخيل على عادات المجتمع وتقاليده»، وعليه سينحل المجتمع، وإذا قارعوهم الحجة بالحجة، استخدموا الخطة «ب» ودخلوها من باب الشرع والحلال والحرام واستدلوا على منعها بأدلة لا شأن لها بالقرار ولا تفاصيله، لا من بعيد ولا من قريب، وأثاروا البلبلة وأعلنوا الحداد وقرب الساعة، رغم أن الموضوع سليم وخالٍ من أي محظور شرعي، وكانت دراسة اللجنة له في بداية الأمر من جميع النواحي، وأولها الحكم الديني.

أما بالنسبة للفئة الثانية فهم -مع الأسف- أخطر الفئات الثلاث، ولا يتوقف اعتراضهم عند ذلك فقط، بل قد يصل إلى الإضرار بأنفسهم والآخرين. ذلك لأن أفرادها يغلب عليهم الجهل، والجاهل خطر على نفسه والمجتمع، لأنه لا يتصرف بحكمة وتأنٍّ، وكثيرا ما تصدر منه حماقة، والحماقة لا يتولد عنها إلا التهور والضعف وسرعة الغضب وسوء السلوك، ولا يعالج الأمور بالهدوء والحكمة، وإنما يسعى إلى التغيير بحماقته التي سرعان ما توقعه في الخطأ. ويتأثر هؤلاء بالفئة المعارضة الأولى دون وعي منهم، ومع زيادة شحنهم ونفخهم وارتفاع نسبة «الهياط» لديهم، يترجمون أساليب اعتراضهم لحماقات وسلوكيات تتنافى مع العقل والأدب، على سبيل المثال، أولئك الذين يستخدمون الأطفال عن طريق تصويرهم وهم يهددون ويتوعدون وزير التعليم والمدرسة والمعلمات، والجريمة تكمن في تلقين الأطفال كلاما يدل على ترسيخ أفكار جاهلة وغبية، كالطفلة التي ظهرت في فيديو قائلة ومتوعدة وزير التعليم: «حنا بنات رجال منا بنات حريم»، ذلك الفيديو يحمل كثيرا من الرسائل الموجعة من طفلة بريئة، تلقنت احتقار أمها وأهانتها أمام الجميع، مع عدم احترامها لقرارات الحكومة، والتهديد وتعلم الأسلوب المنفلت على من هم أكبر منها عمراً وفكراً. وغيرها كثير مما شاهدناه من حماقات لأعضاء هذه الفئة، تعبيرا عن اعتراضهم. وهذه الفئة هم الأكثرية بين أعداد المعترضين. بالنسبة للفئة الثالثة والأخيرة، هم الأقل خطرا وتأثيرا، إذ لا يتجاوز اعتراضهم نقاشات جلسات الاستراحة أو العمل، أو الاكتفاء بطرح آرائهم بأساليب مهذبة، تنم عن احترام للدولة وللجهة التي أصدرت القرار، في وسائل التواصل الاجتماعي، وينطلق اعتراضهم من التوجس بصعوبة إجراءات القرار وتبعاته، والإحساس بالمسؤولية، مقابل الشعور بالكسل والخمول بمجرد التفكير في هذا الأمر الجديد وإجراءاته. وهذه الفئة بمرور الوقت وانضباط الوضع، سوف تعدل عن اعتراضها وتنظر للموضوع بعقلانية وتقف في صفه، لذلك يعدون الأقل خطرا وتأثيرا. أما الفئتان الأولى والثانية فهما بحاجة لوقفة حازمة تضبطهما في التزام حدودهما، واتباع الطريقة الصحيحة في الاعتراض. نعم نحترم وجهات النظر ونؤمن بالاختلاف، ولكن ما نرفضه هو تجاوز ذلك بالتعدي على غيرهم، واستخدام الأساليب الغجرية، المزعزعة لهدوئنا وسلامتنا في الاعتراض.