من المسلم به فطرةً أن حب الوطن جبلة بشرية وغريزة خَلقية وتشمل حتى غير الإنسان كالحيوان والنبات، فالوطن محل للضرورات الخمس، حيث ديننا وعقولنا وأعراضنا ودماؤنا وأموالنا.

فالوطنية والارتباط بالوطن متأصلان في النفوس السوية المجردة عن المؤثرات المؤدلجة، لأنه مسقط الرؤوس ومستقر العيش ومكان التعبد ومحل الشرف، فعلى أرضه نولد وننشأ، ومن خيراته نعيش، ومن مائه نحيا، فعزتنا من عزته، وكرامتنا من كرامته، فبه نُعرف، وعن حياضه ندافع، وهو نعمة علينا، ومحبته قد طبعت النفوس عليها.

ولا يخرج الناس من أوطانهم إلا لضرورة، ثم يحنّون لها ويسعون في الرجوع إليها، وهي حال حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عندما أخرجوه من مكة، وعلى هذا أصبح الفضل للمهاجرين لأنهم ضحوا بأوطانهم في سبيل الله، وقرن الله حب الدين بحب الديار فقال: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)، وقرن حب الأوطان بحب النفس فقال: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم).

وجميع هذه الآيات وغيرها تدل على أن حب الوطن والولاء له والدفاع عنه جبلة فطرية جاء الإسلام ليؤكدها، لا أن ينفيها وينكرها، وإذا كان الوطن أهله مسلمون وشريعته مطبقة، فضلاً عن وجود الحرمين الشريفين فيكون الولاء للوطن أشد ومحبته آكد.