تستمر استفزازات رئيس الوزراء الإسرائيلي للعرب والمسلمين عبر تصريحاته وتلميحاته التي يستغلها لمصلحته في كسب مواقفه سياسياً، وآخر حماقاته إعلانه عن نيته -إذا ما فاز بالانتخابات القادمة- ضم أراض من الضفة الغربية لإسرائيل. ما أثار غضب وقلق الحكومات العربية والإسلامية مجدداً، وفي مقدمتها حكومة المملكة العربية السعودية وبصفتها دولة الواجهة والمواجهة في القضايا العربية والإسلامية، أصدرت فوراً بيانا من الديوان الملكي يرفض هذا الأمر رفضاً باتاً ويدينه، كما دعت إلى عقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي على مستوى وزراء الخارجية لبحث الموضوع ووضع خطة تحرك عاجلة، وما تقتضيه من مراجعة المواقف تجاه إسرائيل، بهدف مواجهة هذا الإعلان والتصدي له، واتخاذ ما يلزم من إجراءات حيال ذلك. هذه هي المملكة منذ قيامها وتأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز إلى الآن، وهي تتحمل على عاتقها مسؤولية قضايا العرب والمسلمين، وفي مقدمتها قضيتنا الأولى القضية الفلسطينية. إلا أن مثل هذه المواقف والأحداث تستغلها بعض الدول الحاقدة والمعادية للسعودية، لبث سمومها وحقدها من خلال حساباتها الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي، وتبدأ بنشر الإشاعات وتزوير الحقائق ومحاولات التشكيك في دور السعودية قيادة وشعبا في مناصرة القضية الفلسطينية، لغايات وأهداف قذرة. والجميع يعلم أن القيادة السعودية قد أفحمتها بالتزاماتها وأدوارها في الذود عن القضايا العربية والإسلامية وقضية فلسطين تحديداً. طوال فترة حروبها ونضالها ضد العدو المحتل، عندما لم يكن لتلك الدول وجود على الخارطة العالمية من الأساس.

من خلال ما رأيته من تعليقات وردود من أبناء الوطن، والأوفياء الشرُفاء من العرب على تلك الحسابات الوهمية والمعادية، وسرد ما قامت به الحكومة السعودية والجيش السعودي من أدوار بطولية مشرفة في الحروب الفلسطينية، أو الأعمال التطوعية، وجمع التبرعات النقدية في أحلك الظروف الاقتصادية، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر عندما وقعت الأزمة المالية العالمية 1929م ومرت الدولة بأوضاع اقتصادية سيئة إلى أبعد الحدود، لم تتوان عن الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني في ثورة البراق 1929أيام الانتداب البريطاني، والمتصفح لأعداد جريدة أم القرى حينها، يرى الإعلانات اليومية في جمع التبرعات المالية للفلسطينين، كما استمرت بالدعم المالي السخي بشكل دوري وفي كل مؤتمر قمة إسلامي بملايين الدولارات، ومشاريع السلام، والجهود العظيمة من أبناء هذا الوطن العظيم في حروب فلسطين، ولا يمكن الحديث في هذا الموضوع دون الرجوع إلى كتاب الباحث محمد بن ناصر الأسمري بعنوان «الجيش السعودي في حرب فلسطين 1948م». الذي تحدث بشكل مفصل عن مشاركة الجيش السعودي في حرب النكبة، وأعداد المتطوعين المنضمين للجيش، والذي فاق 500 متطوع، غير أفراد الجيش الرسميين، وذلك بعد نداء الجامعة العربية لتكوين «جيش الإنقاذ» لمواجهة العدو المحتل. كما فصل بالشرح المعارك التي خاضها الجيش السعودي وعدد الشهداء وأسماءهم بالإضافة إلى صورهم. وقد وثق الكتاب ملامح وشهادات ومذكرات رسمية تؤرخ لتلك الفترة، لم تنل حقها من التناول والرصد الإعلامي. والجدير بالذكر أن أصحاب تلك الحسابات الوهمية ودولهم لم يكن لهم أي دور في دعم فلسطين في حرب النكبة 1948، لا مادياً ولا سياسياً ولا عسكرياً، حيث لم تكن قطر قد استقلت من الانتداب البريطاني حينها، ولم تستقل إلا في عام 1968. كما أنه لم يشارك مع السعودية في تلك الحرب بجيوش رسمية، إلا خمس دول فقط هي العراق ومصر وسورية والأردن ولبنان، بالإضافة إلى متطوعين من اليمن وباكستان والسودان وجيش الجهاد المقدس. وقد امتلأت أراضي فلسطين بأرواح الشهداء السعوديين والعرب، حتى تسمت المقبرة في غزة بمقبرة «شهداء العرب». ويوثق ذلك الفيلم الفلسطيني للمخرج الفلسطيني سعود مهنا، الذي أسماه «ما زالوا أحياء»، ووجّه عدسة كاميرته للتركيز على المساهمة السعودية الفعالة في تلك الحرب. لست هنا للحديث عن الدور السعودي السياسي والعسكري والمالي لنصرة الشعب الفلسطيني، لأني بكل تأكيد سوف أقصر في ذلك وأظلم التاريخ السعودي المشرف وأبخسه حقه في الحديث، حيث لا يمكن إجمال الدعم بكل أشكاله السياسي، والعسكري، والمالي، والإغاثي، طوال عقود ومنذ بداية الحروب الفلسطينية الإسرائيلية إلى يومنا هذا، أي ما يقارب واحدا وتسعين عاماً، أفنتها السعودية بالوقوف مع الفلسطينين وقضيتهم. وكما قال السفير الفلسطيني باسم الأغا عن دور السعوديين في دعم القضية الفلسطينية: إن المملكة تعمل بصمت ودون ضجيج إعلامي، لأنها لا تبحث عن الضجيج الإعلامي، بل عن النتائج على الأرض وتحقيق الإيجابية. ولكن مقالي هذا رد على تساؤلات أصحاب تلك الحسابات ودولتهم. لندع قبور الشهداء السعوديين في مقبرة «شهداء العرب» الذين ضحوا بأنفسهم من أجل فلسطين، وحدها تجيبهم.