لا بد أن يكون لكل عمل أو مشروع؛ هدف أو مجموعة أهداف يسعى إلى تحقيقها بالوسائل المناسبة المختلفة، ويرتبط نجاح المشروع ومستوى تقييمه بمدى تحقيقه لتلك الأهداف التي قام من أجلها المشروع، ومدى حجم تأثيره ومردوده الإيجابي، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع والمؤسسات. ويعتبر عقد المؤتمرات أحد المشاريع أو البرامج المهمة جداً، التي تسعى إليها الدول أحياناً من خلال مؤسساتها الرسمية أو قطاعها الخاص؛ لتنشيط التوجيه نحو هدف معين لدراسة جدواه بالاهتمام بإجراء دراسات حوله، أو قد يكون الهدف في طور التخطيط له لبلورته إلى منتج مثمر ومفيد للبلد سواء أكان هدفه اقتصاديا أم علميا أم اجتماعيا أم سياسيا وإستراتيجيا، وقد يكون الهدف واضحا في جميع بنوده ورؤيته -كرؤية 2030- ولكن تحتاج بلورته إلى برنامج عمل، تدعمه دراسات وأبحاث علمية تخدم تحقيق أهدافها المقصودة ومرتكزاتها الأساسية.

ويكون الهدف الأساس الدافع لعقد المؤتمرات باختلاف توجهها هو؛ مواجهة تحدٍ محدد، أو عدد من التحديات التي ترتبط بموضوع معين، كأن يكون الموضوع اقتصاديا أو صحيا أو غيره، وعليه ينشط الترويج والإعلان عن موضوع المؤتمر ومحاوره الرئيسة، لاستقطاب الباحثين المهتمين والمتخصصين، ليساهموا بدراسات علمية تتعلق بموضوع المؤتمر ومحاوره، لتساهم تلك الدراسات في معالجة وحل الكثير من التحديات والإشكاليات التي تواجه الدول أو المجتمعات المختلفة، خلال ما يقدمونه من تحليل علمي ومناقشة لتلك التحديات، وما تنتهي إليه الدراسات من نتائج وتوصيات يستفيد منها القائمون على المؤتمر، والمعنيون بموضوعه في معالجة تلك التحديات التي تواجههم، أو على أقل تقدير فهي تساهم في إلقاء الضوء على واقع المشكلة المستهدف دراستها، لإدراك حقيقتها العلمية في ضوء المتغيرات ذات الصلة بها، وبما يساهم في أخذ التدابير المناسبة والسياسات التي تخدم الحد من تلك التحديات أو القضاء عليها بما تتيحه الإمكانات والظروف.

ومن الملاحظ أنه على الرغم من كثرة المؤتمرات التي تُعقد بموضوعات متنوعة وتحت رعاية جهات مؤسسية مختلفة، إلا أن الاستفادة من توصيات تلك المؤتمرات ومن نتائجها العلمية، في معالجة التحديات التي عُقد من أجلها المؤتمر أو الندوة العلمية أو غيره، محدودة جداً إن لم تكن منعدمة!، التساؤل؛ لماذا تتكلف المؤسسات المختلفة بعقد مثل تلك الفعاليات المهمة في موضوعها دون أن تحقق الهدف منها؟! وهل عقد تلك الفعاليات المختلفة هدفه إبراز الحضور المجتمعي والمشاركة العلمية فقط؟! وما هو مصير النتائج العلمية والتوصيات بعد إعلانها في نهاية اللقاء العلمي؟! هل تنتهي إلى الملفات المحفوظة في أدراج المؤسسات أو المكتبات المتخصصة، أو أجهزة الحاسوب لتظل في الحفظ والصون كغيرها من الدراسات والبحوث العلمية التي لم تستثمر نتائجها؟! أم أن الجهة القائمة على المؤتمر تقوم بتزويد الجهات ذات العلاقة بما تمخض عنه المؤتمر من نتائج وتوصيات مهمة؛ لتتمكن من استثمارها والاستفادة منها في معالجتها لتحديات قائمة؟!

تعتبر الجامعات من أهم مراكز البحث العلمي المهتمة بعقد المؤتمرات واللقاءات العلمية لموضوعات مختلفة، باعتبار أن البحث العلمي أحد مسؤولياتها الرئيسة إلى جانب التعليم وخدمة المجتمع، ولذلك فهي مسؤولة بشكل خاص عن تحقيق الاستفادة مما يجري تحت مظلتها وبرعايتها من دراسات وأبحاث علمية سواء أكانت تلك الدراسات معنية بالشأن التعليمي، أو غيره من الموضوعات الحيوية التي تفرزها مختلف التخصصات العلمية المتصلة، بما يحتاجه المجتمع والمؤسسات الرسمية من دراسات وأبحاث تعالج ما نواجهه من تحديات مختلفة، سواء أكانت تلك التحديات على المستوى الوطني والإقليمي، أو حتى على المستوى العالمي، باعتبار أن هناك من القضايا والتحديات عالمية التأثير، وأن المجتمع الإنساني جميعه معني بتقديم حلول ودراسات حول القضايا العالمية المختلفة.

وحيث إن الجامعات هي المعني الأول بعقد المؤتمرات المتخصصة التي تخدم القضايا العلمية والمجتمعية المختلفة، فهي المسؤولة عن توصيل ما تفرزه المؤتمرات من نتائج وتوصيات، إلى الجهات المعنية بها للاستفادة منها، وعليه فهي مطالبة بالتأسيس لعلاقات بينية مستمرة ودائمة ومنظمة، بينها وبين جميع جهات الدولة من القطاع العام والخاص وحتى مؤسسات المجتمع المدني؛ بهدف التواصل النفعي والتبادل المعرفي حول جميع ما يتصل بتلك القطاعات من قضايا، وما تواجهه من تحديات قائمة أو مستقبلية، لتكون تلك القضايا محل دراسات علمية يستفيد منها الوطن بجميع مؤسساته، ولتساهم تلك اللقاءات العلمية في وضع حلول علمية لقضايا شائكة، أو أن تعمل على الحد من تفاقمها، بطرح وسائل مناسبة في ضوء دراسات علمية ميدانية أو نظرية، وبذلك تكون الجامعات قد نجحت في تحقيق هدفين أساسيين من أسباب وجودها كمؤسسة علمية، وهما إنتاج البحث العلمي، وتحقيق خدمة المجتمع.

وبطبيعة الحال فإن وجود ذلك التواصل البيني بين الجامعات وجهات الدولة المختلفة، لا يقتصر تأثيره على التبادل المعرفي بنتائج البحوث والمستجدات المختلفة للقضايا المهمة، وإنما يمتد تأثيره إلى الهدف الرئيس من وجود الجامعات وهو التعليم، إذ إن ذلك سيتيح للجامعات؛ ملامسة طبيعة التحديات الحقيقية التي تواجه الوطن في مختلف قضاياه التنموية والإستراتيجية المختلفة، والذي يقضي تباعاً بالاهتمام بمحتوى المقررات الدراسية الإلزامية والحرة، بحيث تعمل على تطوير وتحديث ما يمكن من ذلك، ليواكب الحاجات المتطورة والمستجدة، وبما يساهم في تقديم مخرجات جامعية، تخدم المجتمع في متطلباته العلمية والميدانية وفي حاجاته المختلفة، وبذلك لا تكون الجامعات تمارس مسؤولياتها ودراساتها في صوب، وتحديات المجتمع في صوب آخر، ومن جانب آخر فإن ذلك يُعد مطلباً ضرورياً؛ لاستثمار نتائج تلك البحوث والدراسات العلمية، لتصب في مجالها الصحيح وميدانها الخاص، بدلاً من حفظها أو الاقتصار على نشرها في دوريات علمية مع تجميد تفعيل محتواها العلمي ميدانياً ومعرفياً. ولأن عقد المؤتمرات يتطلب الكثير من الجهود المنظمة والتكاليف المختلفة، فإن ذلك يقتضي وجود جهة رسمية معنية بعقد المؤتمرات وما يتعلق بها من متطلبات وجهود منظمة ومتابعة قبل وبعد المشروع، بحيث تعمل تلك الجهة أو الهيئة على التمكين من تحقيق التواصل الرسمي بين جميع مؤسسات الدولة ومتابعته، لتعمل كمنظومة متكاملة تخدم إستراتيجية الدولة وتطلعاتها ورؤيتها المستهدفة.