بلا التباس ولا ريب، تلك أكبر معاناة قد يشعر بها الإنسان.. قد يكون بداية يشعر بنوستالوجيا معينة.. تجعله يحسد نفسه على ما كان عليه قبل أن يفيق وحاله بين القطيع. قد يحسد من أخذ الحياة بسذاجتها وسطحيتها ويفوز براحة نفسه، عوضا عن مشقة وعناء التخبط في وحل الشك، ولكن ما إن يغوص في عُمقها ويزداد أُلفة مع متاهاتها، سيعشقها.. ويدرك عندئذ أنها الحرية الوحيدة التي يملكها كإنسان!. سيُدرك حينها أنها كانت أكبر وأشد أنواع المُكابدات، وألذّها على الإطلاق، لأنه وخلال بحثه عن الحقيقة، وتحلله من أغلال الأفكار المُسبقة وأن ينظر نظرة حرة، بلا انحياز، ليفكر دون قيود، لا أن يكون خارجا، بل ينسى يوما أنه كان في صندوق، سيحلق فكره في سماء لا متناهية، بحرية لا متناهية. «حُرية التفكير» تُمثل المعنى الحقيقي والجوهري للحرية. ولكن في أكثر المجتمعات تحضُّرًا لا يستطيع أن يكون الفرد ذا «حرية مطلقة»، والتعزيز لهذا الوهم سَفسطة مردودة. قد يستطيع الإنسان أن يمتلك حرية نسبية، ومن الممكن أن نكون سقطنا سقطة بلاغية حين نُسميها حرية، بينما هي في الحقيقية مقيدة لعدة أسباب، منها القانون الذي يحتكم إليه البشر، وسُلطة البيئة.
الفكر.. يجسد المعنى الحقيقي للحرية، الحرية الوحيدة التي بمتناول يد الإنسان. من يُزيف وعيك.. يسلُب حريتك وبالتالي سلب حياتك، بشكل أو بآخر. قيمة حياتك هي قيمة فكرك، ومحاولتك الجسورة لصناعة قيمة لعقلك وفِكرك عن طريق اليقظة، سيكون صناعة لمعاناتك الفكرية وذلك وِزرُ اليقظة.. وعلى ذلك فهي لذّتك الفكرية. وجميع ما سبق يُمثل رحلتك في البحث عن الحقيقة.