جرب أن تجلس في مجلس يشارك فيه مثقفون ومدعو ثقافة، وفئة من المحسوبين على الأدب ومن لف لفهم، واستمع إليهم يتناقشون في قضية ثقافية أو اجتماعية أو سياسية، ستجد المجلس وقد تحول إلى ما يشبه حلقة المصارعة ذات الخصوصية العربية التي ينفرد بها بنو يعرب وحدهم، وأبناء جلدتنا بشكل خاص. يبدأ الصراخ يتعالى وقد يتحول بعد قليل إلى شيء آخر أكبر من الصراخ، إلى كلام خارج عن الأدب، وفيه شيء من السوقية التي تعارف عليها الناس الأسوياء، بأنها تخدش الحياء وتوصل إلى قطيعة لا تنتهي مهما مر عليها من الزمن.

ثم يتحول الأمر إلى دسائس واستعداء وكلام من وراء الظهور، حتى إنك لا تصدق أن من كانوا بالأمس أصدقاء وزملاء أصبحوا اليوم أعداء، يكيلون لبعضهم البعض الشتائم، والمكائد بطريقة يندى لها جبين السامع، ولا يصدق ما يسمعه لو لم يكن حقيقة ماثلة لا تحتاج إلى شهود أو مزكين، بعد أن انتقلت المعركة إلى صفحات الصحف، وعلى طريقة «إللي ما شاف يتفرج». وتصوروا شكل الخلاف عندما يكون بين اثنين من الأرحام والأقرباء، فقد يكون من نتائجه السيئة -مع الأسف الشديد- إقحام العوائل في هذا الخصام الذي قد يصل أحيانا إلى الطلاق، أو مثل «والله لو رحتيله أو اتصلت فيه أو اتصل بك لأرميك عند أهلك وبعدها خلي أخوك هذا ينفعك». والتفتوا حواليكم سترون من هذه النماذج ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، والحاضر يعلم الغائب، بأن ما هو قادم من تفكك أسري بسبب هذه الخلافات ومثيلاتها لهو أكبر وأفظع وربنا يستر!

*1995