قلت مازحا لشاب عاطل بدون شهادة: هل تشتغل عامل نظافة؟

قال: احترم نفسك!!

قلت: لماذا؟

قال: أقول أنت قليل أدب!

ولا بد أن أكون كذلك بالفعل، ما دام أنني تجرأت وطرحت مثل هذا السؤال على أي شاب سعودي عاطل عن العمل، حتى لو لم يحمل من شهادة سوى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

ثم أن تكون عامل نظافة سعوديا؟!.

طبعا لن يحدث ذلك ولا «في المشمش»، ولا في أحلام كأحلام المجانين، لكن ليس على الله ببعيد أن نكحل عيوننا يوما بعامل نظافة سعودي، ينظف الشوارع ويسقي أشجار الأرصفة، ليتأكد حلمنا بأن النهضة الحقيقية -وليست الاستهلاك- قادمة، وأعتقد أن انتظارنا لذلك اليوم سيطول بطول انتظارنا لتحرير القدس.

وحتى لو افترضنا أن هذا سيحدث يوما ما فلا أعتقد أن الأداء سيكون كأداء عمال النظافة غير السعوديين الذين ينظفون لنا شوارعنا وأزقتنا وأرصفتنا خلال الأربع والعشرين ساعة، وتصور -مجرد تصور- أن هذه النظافة أسندت يوما إلى أياد وطنية، فكيف سيكون عليه الحال؟

بالطبع، ستتحول الشوارع إلى «شربة» وإلى أكوام من المخلفات، وأرتال من النفايات، وطبقات من الأتربة والغبار، يكدح العامل البنجلاديشي صباحا ومساء حرصا على عمله في تنظيف شوارع المدينة، بينما المواطن السعودي يرمي بمخلفات منزله من البلكونة وعلب البيبس وقشر الفستق من فتحة سيارته على الطريق.

ولا يكتفي بذلك، بل يتشدق في كل مكان أن النظافة ليست في المستوى، وأن عمال النظافة مقصرون في واجبهم، وأن سيارة البلدية لم تفرغ صندوق النفايات المليء أمام منزله منذ عدة أيام.

ما أحلانا في الكلام، أما الفعل فلا شيء أبدا، فالموظف يتأخر عن عمله، المراجع تتعطل أعماله، والمدير لديه أكثر من سكرتير، والساعي لديه أكثر من سائق، والمدرسة لديها أكثر من خادمة.

كل الذي نجيده هو «المنجهة»، والشراء الاستهلاكي والتفريخ والتباهي على بعضنا البعض بعدد قصورنا وفللنا وعماراتنا وسياراتنا وخدمنا وحشمنا ومركزنا الاجتماعي والمالي.

حتى الكرم الأصيل ذهب مع من ذهب من شبابنا الذين توفاهم الله، لم يعد لنا ما نتميز به سوى المظاهر الكاذبة التي «لا تودي ولا تجيب»، ولن نتقدم أو نعدّ في مصاف الدول التي تعتمد على أبنائها إذا لم نجد السعودي يوما ممسكا بالمكنسة ينظف الشارع، والآخر يقود سيارة النظافة، والثالث في الورشة يصلح سيارة الزبون، والرابع في المخرطة ينشر ألواح الخشب لتصنيع الشبابيك والأبواب، والخامس يده مغروسة في عجينة الدقيق كعامل في الفرن.

كلام استوحيته ذات صباح جمعة من عمال النظافة الذين كانوا يتحركون أمامي بهمة ونشاط والعرق يتصبب من جباههم لتفريغ صناديق الزبالة الضخمة داخل سيارة البلدية، بينما كل السعوديين في تلك اللحظة يغطون في سبات عميق إلا واحدا رأيته جاء ليرمي كيس زبالته بجوار الصندوق.

* 1995