طمأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الشارع السياسي أنه يميل إلى الحل السياسي بدلا من الحل العسكري في التعامل مع إيران، جاءت هذه التصريحات ليعيد تهدئة الشارع السياسي، الذي كان قلقا بعد الهجوم الإيراني على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص، متوقعا أن السعودية قد ترد على هذا الهجوم، بعمل عسكري يجري الإعداد له بالتعاون مع حلفائها من الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، حيث توالت التصريحات الصحفية، وأثبتت التحقيقات أن الصواريخ التي ضربت آبار النفط السعودية لا يمكن أن تكون قد جاءت من اليمن، لتقنيتها العالية وأيضا يحتاج التعامل معها مهارة تقنية، وهذا لا يتوفر لدى جماعة الحوثية. كما أن الكشف والفحص الأولي للأسلحة، التي استخدمت بين بوضوح أنها صواريخ إيرانية الصنع، كل هذه الدلائل كانت إشارة واضحة لدى الشارع السياسي طالما أن أركان الجريمة مكتملة، فمن المتوقع أن تحدث مواجهة عسكرية.

ازدادت قناعة المراقبين أكثر، حينما قررت واشنطن إرسال قوات أميركية، وتشكيل تحالف لحماية الممرات المائية، انضمت إليها السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى.

كل المؤشرات كانت تقول إن هناك استعدادات تتشكل لشن ضربات محددة.

في برنامج 60 دقيقة الذي بثته قناة cbsnews، قال ولي العهد في حوار مع الصحفية نورا أودونيل، من 22 سؤالا طرحته نورا حول 3 موضوعات مهمة بالنسبة للغرب، فحملت ثمانية أسئلة عن الصحفي الراحل جمال خاشقجي وعن مقتله، وهل أعطى أوامر بالقتل، كالعادة وبثقة عالية أكد من جديد الأمير محمد بن سلمان عدم علمه، ولم يعط أوامر بالقتل، مشيرا إلى أنه يتحمل مسؤوليتها بالكامل كقائد، وأن الجريمة حدثت من مسؤولين سعوديين يعملون في الحكومة، واصفا الجريمة بالبشعة.

حديث ولي العهد عن الإعلام والصحفيين في السعودية، حمل رسالة مهمة، حينما سألته الصحفية، مانوع التهديد الذي يشكله كاتب في صحيفة للمملكة، حتى يستحق أن يقتل بهذه الوحشية؟. فكان رد ولي العهد قاطعا، لا يوجد أي تهديد من أي صحفي، والتهديد على السعودية هو من تصرفات كهذه ضد صحفي سعودي، من هذه الجريمة البشعة التي حصلت في قنصلية سعودية.

ولي العهد تعهد من جديد بمعاقبة المتسببين في حادثة مقتل خاشقجي، وتقديمهم للعدالة مهما كانت مناصبهم، مشيرا إلى سعيه في عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلا، وتحدث مطولا في هذا الشأن: «هذه كانت جريمة بشعة.. لكن أتحمل مسؤوليتها بالكامل كقائد في المملكة العربية السعودية، خصوصا أنها حدثت من مسؤولين سعوديين يعملون في الحكومة السعودية».

وقاطعته الصحفية: ماذا تقصد بأنك تتحمل مسؤولية ذلك؟ وهنا استفاض ولي العهد بتفصيل أكثرك عندما تحدث جريمة لمواطن سعودي من قبل موظفين في الحكومة السعودية، لا بد أن أتحمل المسؤولية كقائد. ما حدث كان خطأ.. ولابد أن اتخذ كافة الإجراءات لتفادي حدوث أي أمر مثل هذا مستقبلا.

حادثة مقتل جمال خاشقجي شغلت الرأي العام العالمي، ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإعلامية، واتجهت أصابع الاتهام إلى القيادات السعودية مع أنه كان واضحا أنه ليس لها يد في الموضوع، ولم يحدث على مر السنوات أن سعت الحكومة إلى التصفية الجسدية لأي شخص سواء معارض أو صاحب فكر لا يروق لمزاج الدولة، وأنها تلجأ إلى القانون والعدالة، ولهذا كانت معظم أسئلة الصحفية الأميركية عن حادثة مقتل خاشقجي، الشاغل الأكبر، خاصة وأن الإعلام الغربي أخذ الموضوع من زاوية أخرى.

وحينما سألته نورا أودونيل ،كيف لم تكن على علم بهذه العملية؟ من جديد يقنع ولي العهد الصحفية وغيرها من المثيرين لمثل هذا السؤال.

«البعض يعتقد أنني يجب أن أكون على علم بما يقوم به 3 ملايبن شخص يعمل للحكومة السعودية يوميا؟ من المستحيل أن يرفع الثلاثة ملايين تقاريرهم اليومية للقائد في المملكة العربية السعودية أو ثاني أعلى رجل في الحكومة السعودية.

يضيف بعدما سألته بطريقة أخرى، وتريد منه أن يقول كلاما ترغب سماعه والعالم، وقد عرف عن ولي العهد نباهته ويقظته، وأيضا مغزى السؤال، فقال لها التحقيقات قائمة اليوم، ومتى ما ثبتت التهمة على أي شخص بغض النظر عن منصبه، فسوف يحال للمحكمة بدون أي استثناء.

وحينما قالت الصحفية، انها استنتجت من خلال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بثقة متوسطة إلى عالية، أنك استهدفت شخصيا خاشقجي وأنت الذي أمرت بقتله، هذه المرة رد الأمير بثقة عالية وتحد، «أتمنى أن يتم إخراج هذه المعلومات للعلن.. إذا كانت هناك أي معلومات تتهمني بالقيام بأي عمل، أتمنى أن يتم إخراجها.

في الشان الإيراني تناول ولي العهد الموضوع بجوانبه كافة، واصفا ما حدث لمعامل النفط في بقيق وخريص أنه ضرب قلب الطاقة العالمي، وهي ضربة عطلت أكثر من النصف من احتياج العالم للطاقة، واحتياج أميركا والصين والعالم بأسرة، وتساءلت الصحفية باستغراب كيف لدولة وهي أكبر مستورد في العالم للأسلحة والمعدات العسكرية، لا يمكنها منع هجوم مثل هذا؟ ويعلق على هذا السؤال ولي العهد قائلا:السعودية بحجم تقريبا قارة، فهي أكبر من غرب أوروبا كلها.. لدينا تهديدات موجودة من 360 درجة، يصعب تغطية كل هذه بشكل كامل، فعلا من ينظر إلى واقع السعودية حاليا، يرى أن الخطر من كل الجهات من الجنوب الحوثيين، من الشمال إيران والمليشيات الموجودة في العراق ولبنان، وهذا يتطلب منها اليقظة الدائمة.

ووصف عمل إيران بضرب أرامكو أنها حماقة ولا يوجد هدف استراتيجي، وإن كانت ترى وقوع حرب بين السعودية وإيران، وهنا حاول ولي العهد أن يقنع المجتمع الدولي، فيما لو قامت مواجهة عسكرية بين البلدين فماذا سيحدث، يقول ولي العهد: المنطقة تشكل تقريبا 30% من إمدادات الطاقة في العالم وتشكل تقريبا 20% من المعابر التجارية «العالمية وتشكل تقريبا 4% من الناتج القومي العالمي، تخيلوا أن تقف هذه الأمور الثلاثة، هذا معناه انهيار الاقتصاد العالمي كله، وليس فقط المملكة العربية السعودية أو دول الشرق الأوسط، ويستطرد قائلا «بلا شك إذا لم يقم العالم باتخاذ موقف حازم ورادع لإيران فسوف نرى تصعيدا أكبر، وسوف تهدد مصالح العالم، وسوف تتعطل إمدادات الطاقة، وسوف تصل أسعار النفط إلى أرقام خيالية لم نرها في حياتنا»، ويأمل السعوديون الحل السياسي والسلمي أفضل بكثير من الحل العسكري.

في الشأن اليمني تحدث ولي العهد بوضوح، وهو ماتكرره الدبلوماسية السعودية دائما، وهو أن توقف إيران دعم الجماعات الحوثية في اليمن، سوف نتوقف عن ملاحقتها وضربها، ونجلس معهم للحوار، وتسأل الصحفية ولي العهد، أنت تقول في هذه الليلة بأنك تريد التفاوض، لإنهاء الحرب في اليمن؟

يرد عليها ولي العهد، نحن نقوم بذلك كل يوم لكن نحاول أن ينعكس هذا النقاش إلى تطبيق داخل الأرض، وإعلان الحوثي من عدة أيام بوقف إطلاق النار، نعتبرها بادرة إيجابية لاتخاذ خطوة جديدة للأمام للدفع بالنقاش السياسي إلى فعالية أكثر.

وفيما يتعلق بحقوق النساء في السعودية، وحبس 12 امرأة على ذمة التحقيق، تقول نورا أودونيل المرأة تقود في السعودية وحصلت على المزيد من الحقوق بشكل عام، ولكن هناك حوالي اثني عشر ناشطة تم احتجازهن لأكثر من عام، لماذا وضعن في السجن؟ وهنا يؤكد الأمير الشاب أن السعودية دولة تحكمها القوانين، وقد لا أتفق مع بعض هذه القوانين لكن طالما أنها قوانين موجودة اليوم يجب احترامها، حتى يتم إصلاحها.

يجب أن يعترف السعوديون أنه منذ إعلان رؤية السعودية 2030، ووصول الأمير محمد بن سلمان إلى كرسي ولاية العهد، قام بعدة إصلاحات وقدم الكثير من الحقوق للنساء، ورفع مساهمتهن في سوق العمل.

وحينما سألت الصحفية، أن بعض الموقوفات تعرضن للتعذيب حسب ادعاء أسرهن، قال بصرامة وحزم، إذا كان هذا الأمر صحيحا فهو بشع جدا، الإسلام يحرم التعذيب، قوانين المملكة العربية السعودية تحرم التعذيب، النفس البشرية تحرم التعذيب، وأنا بنفسي سأقوم بمتابعة هذا الأمر.

الحوار ربما يكون مهما بالنسبة للغرب البعيدين عن واقع المجتمع السعودي، إنما بالنسبة للسعوديين، وفي عهد الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، وإطلاق رؤية 2030، وهم يعيشون مرحلة جديدة من المكاشفة والمصارحة، والانتقاد بالطريقة الصحيحة والإيجابية، والإشارة إلى الفساد بأشكاله كافة، دون خوف أو مجاملة، هو السعودية الحديث.

الحوار حمل رسائل إيجابية وهي أن السعودية لا تريد الحرب مع إيران، ولكنها مستعدة للحفاظ على مقدراتها واحتياج العالم، وأيضا أن الصورة القاتمة التي يرسمها الغرب عن السعودية، هي في الواقع غير واضحة لهم، ويحتاج منهم أن يتعرفوا على السعودية عن قرب أكثر.