لأهل الإسلام دينهم وأنظمتهم المستمدة من الكتاب والسنة، ولغيرهم دينهم وأنظمتهم المستمدة من دينهم ورغباتهم.

فالإسلام يمنع منازعة الأمر أهله، ويوجب السمع والطاعة بالمعروف لولي الأمر، وتقديم ما يراه الحاكم مما ليس بمخالف للشرع، وإن كان بعض أفراد الرعية لهم رأي آخر، فليس لهم الحق بمنازعته، أو تكوين حزب لمعارضته.

وإنما يكتفون بإبداء رأيهم، بطريقة شرعية مؤدبة، ليس فيها تهييج وإثارة، وإذا اختار ولي الأمر رأيا فهو ملزم للجميع لا تصح معارضته، هذا هو المنهج الشرعي الذي فيه صلاح البلاد والعباد، وما شرع الله لعباده أمرا إلا فيه نفعهم، فهو الخبير بهم وبما يصلح أحوالهم كما قال تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، وقد أخبرنا الله أن فعل ما أمرنا به سبحانه هو الخير، كما في قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا* وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيما* وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)، فلاحظ أخي القارئ هذه المصالح العظيمة في الآية لمن امتثل أمر الله، وهي: (الخيرية) و(الثبات على الحق) و(الأجر العظيم) و(الهداية للصراط المستقيم).

والأدلة على هذا المنهج الشرعي -أعني: عدم المنازعة والمعارضة- من الكتاب والسنة كثيرة ومعلومة، فمنها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّهَا ستَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رسُولَ اللَّهِ، كَيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذلكَ؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وتَسْأَلُونَ اللهَ الذي لَكُمْ، متفقٌ عليه)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم) رواه مسلم، ومن مقتضيات البيعة لإمام المسلمين ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري: (وألا ننازع الأمر أهله)، وعمار بن ياسر قال لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، (يا أمير المؤمنين بما جعل الله لك عليَّ من الطاعة إن شئتَ لا أُحدِّث لا أُحدِّث)، مع أنه كان يتحدث عن مسألة فقهية وهي التيمم، لم يعارض وينازع، وابن مسعود صلى مع النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في منى الظهر ركعتين، ولما صلى أمير المؤمنين عثمان أربع ركعات صلّى خلفه أربعاً، وقال: (الخلاف شر)، لم يعارض، أو يكوِّن حزب معارضة سلمية كما يقول (بعض) الناس.

وإن من لبْس الحق بالباطل تسويغ منازعة ولاة الأمور تحت مسمى (المعارضة)، وأشد تلبيسا محاولة وصفها (بالمشروعة)، لا أدري كيف تكون مشروعة، بدون ذكر أي دليل شرعي؟ وإنما الاكتفاء بذكر وقائع ليست دليلا شرعيا، ثم تلك الوقائع لا علاقة لها بالمعارضة من قريب ولا بعيد، فالآراء التي تُقدم في المجالس الأكاديمية في الجامعات أو في مجلس الشورى أو وغيرها، هذه لا علاقة لها بالمعارضة، وإنما هي مجرد آراء تُقدّم من أهل اختصاص، وفي النهاية يتم التصويت، ويؤخذ غالب رأي أهل الاختصاص، فينتهي الموضوع حينئذ، ويعمل به الجميع، حتى من كان له رأي آخر، أو وجهة نظر مخالفة حول الموضوع المطروح، فما علاقة ذلك بالمعارضة؟

ومن يبدي رأيا أو وجهة نظر لولي الأمر أو من دونه من المسؤولين بأدب وحكمة يُشكَر على اهتمامه ولكن ينتهي دوره عند تقديم رأيه، وليس له حق المعارضة والمنازعة، وفي سيرة الصحابة والسلف الصالح نرى أنهم بينوا آراءهم وفق الطريقة الشرعية، وإذا اختار ولي الأمر رأيا أيدوه إن كان مباحا، وإن كان محرما ناصحوه وفق المنهج الشرعي، ولم ينازعوه، ولم يثيروا الرعية عليه بمعارضاتهم، لحديث: (مَن كَرِهَ مِن أمِيرِهِ شيئًا فَلْيَصْبِرْ، فإنَّه مَن خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْرًا ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً) رواه البخاري ومسلم.

فلم نسمع بهذه المعارضة التي يحاول بعض الناس أن يشرعنها بشبهات واهية، وتلبسات باطلة، ولا أدري ما الهدف من وراء ذلك؟!!

وعند الرجوع إلى مراجع بعض دعاة المعارضة، نجدهم يعنون بمصطلح (معارَضة) ما يأتي:

1- المعارَضة: هي الفئة غير الموالية للحكومة.

2- المعارَضة:،هي مجموعة أفراد يختلفون مع الحكومة، ويرغبون الحلول محلها.

3- المعارضة: هي التي تطلب من الحاكم الاستجابة لرأيها، فإن لم يستجب تنتقل المعارضة لإرباك السلطة بالحركة عن طريق المظاهرات أو الاعتصامات والإضرابات.

4- المعارضة: الاحتجاج، المخالفة، الممانعة.

5- المعارضة السياسية: انتقاد حزب من الأحزاب أو فئة برلمانية لأعمال الحكومة والتصدّي لها بإظهار عيوبها.

ونحن بحمد الله أبدلنا الله خيرا من هذه المنازعات والممانعات والمعارضات والحزبيات، فليس لنا أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فالباب مفتوح بيننا وبين ولاة أمرنا بحمد الله نقول ما نرى صوابه مدعمين قولنا بما نراه محققا للمصلحة، وينتهي دورنا، فلا ننازع ولا نعارض ولا ننابذ.

وهكذا نقول آراءنا لرؤسائنا في القطاعات الحكومية حتى وإن خالفت رؤاهم، ولكن ينتهي دورنا عند ذلك، دون صخب وضجيج ومعارضات، هذا هو المنهج الشرعي، فلا حاجة لنا بمناهج شرقية ولا غربية، ولا حزبية ولا ليبرالية. قال تعالى: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).