سأتقمص دور القارئ في هذا المقال، وأطرح أسئلة أعتقد أنها مشروعة وتدور في أذهان القراء الأعزاء، وأتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار.

لماذا بعض الصحف السعودية تتشابه في الشكل والعنوان وربما المحتوى، ولا تستطيع التمييز بينها إلا إذا قرأت في أعلى الصفحة اسم الجريدة؟.

لماذا يتم تعليمك أن تكون متميزا ولست نسخة من الآخرين، وفي نفس الوقت كثير من الأخبار الصحفية قص ولزق من وكالات الأنباء دون إضافة أي معلومة أو شرح أو حتى طريقة صياغة أو نكهة للخبر؟.

لماذا كثير من المعلومات الحصرية والمهمة والاستفسارات الحيوية عن البلد نسمعها ونقرؤها من الصحافة العالمية (بلومبيرج وول ستريت جورنال... إلخ)، وتكون وظيفة الصحف والإعلام المحلي فقط الترجمة وكالعادة قص ولزق؟.

نعتقد أن هناك سبعة أنواع من الصحفيين والإعلاميين السعوديين:

أولا: الصحفيون التقليديون الذين هم في الصحافة منذ أمد بعيد، وقد تعوّدوا على الصيغة التقليدية منذ سنوات، ولم يحسوا أن العالم تغير، وأن ثورة المعلومات سيطرت وغيّرت قواعد اللعبة، وانتهى زمن أخبار ودع واستقبل، وبهرجة المسؤولين، وانتهت الطريقة المصرية القديمة «كله تمام يا فندم!»، حتى إذا جاء خبر أو حادث معين نقلوا الصورة وردية كعادتهم، وهذا منتهى معرفتهم، كمثال أحدهم عندما ضربت بقيق كأن لم يعجبه أن المملكة أعلنت بكل شفافية توقف نصف إنتاجها، وكان يريد القول «كل شيء تمام»، وهذا مبلغ علمه، فلم يضع في حسبانه أن العالم حاليا يحترم الشفافية، وأن هناك وسائل تواصل اجتماعي، وأن هناك أقمارا صناعية، وأن هناك مشترين وموظفين من كل العالم في أرامكو.

نيته حسنة، ويعتقد أن هذا الأفضل للبلد، لكن تخذله تقليديته وخبرته القصيرة- الطويلة، فهي طويلة بالسنوات لكن قصيرة بالتجارب لأنها خبرة معادة ومكررة، وتخذله التحديات التي لم يعتد عليها وعلى الثورة المعلوماتية الحالية.

هناك نوع آخر هم المعلقون أكثر منهم كُتابا، إذا وقع الحدث علقوا عليه إما مدحا وتطبيلا أو نقدا وهجوما، لا يطرحون الأفكار بقدر ما ينتظرون الخبر للتعليق عليه، وفي عدة مرات يكون التعليق على صاحب الخبر أكثر من الخبر نفسه!، تقول الينور روزفلت «أصحاب العقول العظيمة يناقشون الأفكار، وأصحاب العقول العادية يناقشون الأحداث، وأصحاب العقول الصغيرة يناقشون الأشخاص»، كم كاتب أو صحفي يناقش أفكارا جديدة خلاقة؟ وكم منهم يعلق على الأحداث ويطبل للمسؤولين، وكم منهم يكتب عن الأشخاص إما يسرف في التطبيل أو يسرف بالهجاء؟.

النوع الثالث، الإعلامي اللاصق أو الباهت، يجمع الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي، ومن وكالات الأخبار ويقوم بلصقها، وتكون الأخبار في اليوم التالي في الجريدة باهتة.. الجميع وصلته حارة طازجة في وقتها بوسائل التواصل، إذن لماذا يقرؤها ثاني يوم بالجريدة دون إضافة أو صياغة أو تحليل.

وأيضا تجد بعضهم يحب الشو والبريستيج، ومنها علاقات الإعلام، بالمختصر «ما وده يتعب نفسه ووده يستفيد من الإعلام مكانة وعلاقات ومصالح وتمشية أمور».

النوع الرابع، هو الصحفي الصحونجي الخفي (منغلق التفكير)، وقد أثرت الصحوة وشوّهت كثيرا من عقول وإمكانات البلد، في كثير من الأحيان قد تجده لا يعلم أنه صحونجي، بل قد يظن نفسه متحررا، لكن الصحوة أثرت في عقله الباطن، أي شيء جديد أو حدث غير السائد يخاف منه ويحاربه، يشعر داخليا بنظرية المؤامرة والخوف مما لا يعرف، قدرته على النقاش وصراع الأفكار وتبادل وجهات النظر ضعيفة، تجده يحفظ بضع كلمات عن الموضوع ويقوم بسردها وخلاص، بالمختصر «حافظ مش فاهم».

الخامس، الصحفي الأيديولوجي أو صاحب الأجندة فكره أو جماعته تؤثر في طريقة كتابته، وكذلك نقله أو نقده الخبر أو الموضوع، ينسى أن الصحافة تعتمد على الموضوعية، فيكون التركيز على ما يخدم خلفيته، وليست حكرا على تيار سواء كان صحونجيا، إخونجيا، ليبراليا... إلخ.

السادس، هو الصحفي بمعنى صحفي، يرى الصحافة شغفا والكتابة عشقا، يتمسك بأصول الصحافة، وهؤلاء موجودون في كل مكان.

السابع: الإعلامي الدولي، وهو ببساطة غير موجود!.

تدعى الصحافة بالسلطة الرابعة، أي تأتي بعد السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وما يجمعها مع هذه السلطات هي الاستقلالية والموضوعية والمصداقية، وأيضا الاحترام الكبير.

انظر كيف يرى الناس الصحافة التي تم وضعها كأنها من أكبر سلطات أي أمة، إنها رمز للاستقلالية في الطرح والموضوعية والمصداقية يا من تريد أن تجعلها لخدمة مصالحك أو أجندتك!.

كسلطة رابعة، يجب ألا تطبل ولا تصفق للمسؤول على أي كلمة، غريب أن نرى بعض الصحفيين يصفقون في المؤتمرات الصحفية.. يا عزيزي أنت لست موظف علاقات عامة عند المسؤول، لم لا تطرح الأسئلة الصعبة التي يريد القارئ معرفة إجاباتها، هل تسأل نفسك لماذا الصحفي الغربي يأخذ السبق؟ ببساطة لأنه يسأل أسئلة مباشرة دون مجاملة فيحصل على احترام المسؤول حتى لو كان السؤال محرجا، بينما البعض يطرح أسئلة من مثيل «ما هو شعورك في هذه المناسبة؟! ثم يتساءل لم لا يعطيه المسؤول لا شيئا مميزا أو حصريا؟».

تذكر عزيزي الإعلامي مقولة جورج أورويل «الصحافة هي أن تنشر ما لا يريد أحدهم أن يراه منشورا، فيما عدا ذلك فهي مجرد علاقات عامة».

(من باب الموضوعية لا أستطيع أن أذكر شيئا عن نفسي ككاتب أو عن جريدة «الوطن» في هذا المقال، للمعلومية فقط).

لماذا كثير من الصحافة العالمية استمرت وصمدت رغم موجة الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي؟ والجواب: لعدة عوامل من أهمها، الصحافة الاستقصائية وكذلك الموثوقية والحصرية، كمثال ربما القارئ يقرأ «وول ستريت جورنال» لأن لديها قصة مختلفة وجديدة وحصرية مختلفة عما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، ولديها طريقة نقل مختلفة وإضافية لنقل الأخبار.

أين الإعلام السعودي من الصحافة الاستقصائية؟ أين الأخبار الحصرية التي قد تكشف قضية فساد كبرى مثلا، أو تعري أوراق مسؤول مقصر قبل أن تحدث مصيبة، أين التحليلات ومناقشة الأفكار قبل وقوع الأحداث؟.

أتكلم كقارئ أريد أن أرى صحفنا كل واحدة ببصمة مختلفة، وكل منها لديها قصة جديدة وموضوعية ومثيرة.

لماذا الركون للقص واللزق والتعليق الجامد على الأحداث؟ أين عصر استخراج المعلومة الحصرية من المسؤول بدل التصفيق له؟ لا تكن مطبلا ولا تكن متشائما، بل فقط كن شفافا لأنك السلطة الرابعة.