لم تسع السعودية منذ تأسيسها عام 1351/ 1932 إلى تقديم مشروع وحدوي قومي للعرب بالمعنى السياسي له، وإنما دعمت اتجاه التعاون المتكامل بين الدول العربية ضمن الحفاظ على وحدتها واستقلالها، ومن هذا المنطلق شاركت في تأسيس جامعة الدول العربية بعد قيام المملكة بـ13 عاماً ضمن سبع دول مستقلة آنذاك، مرجحة كفة المفهوم الذي قامت عليه الجامعة، ومع أن بقية الدول السبع وافقت ووقعت على قيام جامعة الدول العربية وبروتوكول الإسكندرية لم تتخل عن وجهات النظر الأخرى التي استبعدت آنذاك، ومنها مشروع الوحدة الجهوية أو الإقليمية كالهلال الخصيب وسورية الكبرى، حيث بقي مشروع الهلال الخصيب حلماً أدى إلى صراعات نظرية بين حزبي البعث العراقي والسوري نتج عنه صراع دموي بين الدولتين عبر زعاماتهما المختلفة، وآخرها بين حافظ الأسد وصدام حسين، ومشروع سورية الكبرى الذي كان حلم حزب البعث السوري والأحزاب القومية والثورية في لبنان وفلسطين والأردن، وانتهت بتجربة الوحدة المصرية السورية أيام جمال عبدالناصر وشكري القوتلي عام 1958، وحاول معمر القذافي بشكل مستميت الدفع بهذا الاتجاه عبر إنشاء وحدة فيدرالية أو كونفيدرالية مع الدول منذ توليه السلطة عام 1969، وبدأ بميثاق طرابلس عام 1971 وإعلان تأسيس اتحاد الجمهوريات العربية عام 1972، ويضم مصر وليبيا وسورية، لكنه لم ير النور، ثم اتجه غربا باتفاق جربه مع الحبيب بورقيبة لإنشاء الجمهورية العربية الإسلامية يكون فيها بورقيبة رئيسا والقذافي نائبا له، ولكنه لم يتحقق، ثم الوحدة الاندماجية مع سورية عام 1980 وبقي حبراً على ورق، والاتحاد العربي الإفريقي مع المغرب 1984 وتم التراجع عنه، واتحاد المغرب العربي بين دوله الخمس عام 1989 وكانت الخلافات بينها أكبر من إمكانية قيامها فعليا، ثم اتجه إلى إنشاء جبهة أو حلف للدول بعد أن وجد أن الاتحاد لا يمكن تحققه سعى إلى إنشاء جبهة الصمود والتصدي عام 1977، ويضم إلى جانب ليبيا سورية والعراق والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية واليمن الجنوبي، ولكن جبهة الصمود لم تصمد طويلا.

المشاريع الوحدوية القومية أخذت مسارين: الأول فكري نظري تأسست عليها مشاريع سياسية أو شارك بعض منظريها في العمل السياسي، والثاني مشاريع سياسية من بعض الزعماء العرب ذوي التوجه القومي العسكري، وإن اختلفت أساليبهم مثل جمال عبدالناصر، وقادة العراق انتهاء بصدام حسين، والقذافي، وقادة سورية انتهاء بحافظ الأسد.

المسار التنظيري بدأ مع بدايات النهضة العربية وبرزت أسماء كثيرة مؤثرة أصّل لها ووثق معظم الحراك الفكري حولها مركز دراسات الوحدة العربية الذي كان يموله العراق تحت إشراف سعدون حمادي، فعبدالرحمن الكواكبي (1902) الذي كان أحد مؤسسي الفكر القومي العربي أمضى حياته داعيا إلى النهوض بالأمة العربية ومقاومة الاستبداد العثماني، لكن كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» لا يعد تنظيراً للفكر القومي بقدر ما هو مقالات ضد الاستبداد الفكري والاجتماعي والسياسي.

وإلى جانب الاستبداد تركزت طروحات المنظرين القوميين آنذاك على أمرين هما: مكافحة الاستعمار الأجنبي، ومكافحة الرجعية الداخلية والتخلف بكافة أنواعه، وتفاوتت بعد ذلك الطروحات حول قضايا العروبة والإسلام بين من ينحاز للعروبة ويفصلها عن الرابطة الإسلامية، ومن يشدد على مقولة السلطان عبدالحميد «يا مسلمي العالم اتحدوا» ومن اتخذ موقفا توفيقيا من خلال عروبة الإسلام، ولذلك يقول ميشيل عفلق الأب الروحي لحزب البعث العربي الاشتراكي، وهو مسيحي (1910 – 1989): «كان محمد كل العرب فليكن كل العرب محمداً، وعندما أقول عروبة تعرفون بأنني أقول الإسلام أيضاً، لا بل الإسلام أولاً، العروبة وجدت قبل الإسلام لكنه هو الذي أنضج عروبتنا، وهو الذي أوصلها للكمال وإلى العظمة والخلود، هو الذي جعل من القبائل العربية أمة عظيمة».

وفي المقابل يرفض ساطع الحصري (1968) الطرح الإسلامي، بل يذهب أبعد من ذلك إلى إخراج الدول التي يصفها بالإمبريالية ومن ضمنها الدول القطرية، ويرى أن مؤيدي الرابطة الإسلامية ينفون العصبة الجنسية ويؤيدون العصبة الدينية، وبذلك يسهمون في تعميق النزاع بين المسلمين والمسيحيين وغيرهم من الطوائف، ويقول ساطع: «بلاد العرب ليست الجزيرة العربية لوحدها كما يزعم البعض، ولكنها جميع البلاد التي يتكلم أهلها اللغة العربية، والإنسان العربي كل من ينتمي إلى البلاد العربية ويتكلم اللغة العربية بغض النظر عن الدولة التي يحمل جنسيتها، ومهما كانت الديانة التي يدين بها والمذهب الذي ينتمي إليه ومهما كان أصله ونسبه وتاريخ أسرته»، وكما رفض الرابطة الإسلامية رفض أيضاً مصر الفرعونية، وهاجم طه حسين وكتابه «مستقبل الثقافة في مصر»، حيث يرى فيه هوية ثقافية تستند إلى التراث الفرعوني، وعملياً كان ساطع الحصري ينشئ إلى جانب كل مدرسة إيرانية في العراق مدرسة عربية، وعندما قال: «إن الوحدة الإسلامية مستحيلة التحقيق لأنها تضم قوميات مختلفة، وإن الرابطة الدينية وحدها لا تكفي لتكوين القومية، وتأثيرها في تسيير السياسة لا يبقى متغلبا على تأثير اللغة والتاريخ»، رد عليه كثير من دعاة الجامعة الإسلامية ومنهم الشيخ عبدالعزيز بن باز ناقداً القومية العربية، ووصف بعض الباحثين تسمية القومية العربية بالجاهلية الجديدة، وبعض المنظرين القوميين الذين ينكرون الرابطة الأممية للإسلام تبنوا الفكر الاشتراكي، وهو فكر أممي، فميشيل عفلق وصلاح البيطار اللذان سافرا إلى فرنسا للدراسة ووجدا تعاطفا من بعض النواب الاشتراكيين والشيوعيين في البرلمان الفرنسي عادا إلى سورية يحملان الفكر الاشتراكي، ودافعا عن موقفهما في كتابهما «القومية العربية وموقفها من الشيوعية» بأنهما وجدا في الشرعية أمرين هما ضرب الاستعمار وهز الفكر العربي الجامد بالتطرف.

وفي المقابل كان بعض المنظرين القوميين أكثر تطرفا في موضوع الوحدة العربية مثل أنطون سعادة الذي كان يميل إلى الوحدة الإقليمية والقطرية، ومع أنه كان يردد أن الوجدان القومي هو أعظم ظاهرة اجتماعية في عصرنا فهو ينفي وجود رابط بين سورية والدول العربية (البدوية)، ويركز على الرباط الجغرافي للهلال الخصيب (سورية، لبنان، فلسطين، العراق، الأردن).