نجح حوار سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في برنامج 60 دقيقة، الذي يذاع على قناة CBS الأميركية، في إجهاض حملة إعلامية كبيرة جرى التخطيط لها في قطر وتركيا وبعض العواصم الغربية، ضد المملكة وقيادتها، بمناسبة مرور عام على مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي.

ولعب هذا الحوار الواضح القوي الشفاف، دورا كبيرا في إرباك هذا المخطط الإعلامي ضد المملكة، فكيف حقّق هذا الحوار مزيدا من الدعم لصورة المملكة، باعتبارها «محور الاستقرار» في الشرق الأوسط والمنطقة العربية وجنوب غرب آسيا؟ وإلى أي مدى يمكن البناء على هذا الحوار لنسف كل دعاة الأكاذيب والأباطيل وأنصاف الحقائق؟

لغة الجسد

لقد أصاب الأداء الواثق ولغة الجسد المتزنة لسمو الأمير محمد بن سلمان، خلال الحوار، أصحاب المشاريع الفوضوية ودعاة الكذب والتقارير المفبركة، بالارتباك، لأنه أجاب عن كل الأسئلة التي توهّموا أو اعتقدوا أن الحوار سيخلو منها.

وها هي مقدمة البرنامج تصرّح لكل وسائل الإعلام الأميركية أن الأمير أو مساعديه لم يطلبوا الاطّلاع على الأسئلة، كما أن سمو الأمير قال بنفسه إنه مستعد للإجابة عن أي سؤال في كل القضايا، غير أن ما أصاب دعاة «أنصاف الحقائق» بالارتباك، أن الإجابات كانت قوية ومقنعة ومنطقية، وتنم عن قيادة محنكة ومسؤولة، تدرك حجم المخاطر التي تحيط بالمنطقة، فتحدث الأمير عن كل الجوانب المتعلقة بالهجوم على أرامكو، وقضية المواطن السعودي جمال خاشقجي، والادعاءات بسوء التعامل مع بعض السجينات، إضافة إلى الحرب في اليمن، والعلاقات السعودية الأميركية.

روح القيادة

اللافت في حوار سمو الأمير محمد بن سلمان، في برنامج 60 دقيقة، هو روح القيادة، وقراءة المشهد السياسي الإقليمي والدولي قراءةً صحيحة، وهو ما جعل البرنامج يحظى بمشاهد واهتمام غير مسبوق.

فقناة CBS أكدت أن الملايين -داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها- تابعوا البرنامج، وأثنوا على كل ما جاء على لسان الأمير محمد. لكن ما تناقلته وسائل الإعلام ووكالات الأنباء عن سمو الأمير محمد نقلا عن برنامج 60 دقيقة، يفوق الخيال فعلا.

فلا توجد وكالة أنباء عالمية، ولا توجد شبكة تلفزيونية ذات مصداقية إلا ونقلت ما قاله الأمير محمد للقناة الأميركية، وهناك أسباب كثيرة لهذا الاهتمام، ربما تأتي في مقدمتها المكانة الرفيعة التي تحظى بها المملكة في قلوب العرب والمسلمين بالعالم، بل في عقول وقلوب كل سكان الأرض، لكن أيضاً الحكمة التي تحدث بها سمو الأمير محمد، جعلت كل كلمة في هذا الحوار ذا تأثير كبير، فعندما يتحدث الأمير محمد بن سلمان عن حرص المملكة العربية السعودية على إعادة كامل إنتاج شركة أرامكو في وقت قياسي، بهدف الحفاظ على استقرار أسعار النفط العالمية، فإنه بذلك يقدم خدمة جليلة لكل سكان البشرية، لأن عدم عودة الإنتاج بسرعة ربما كان سيرفع أسعار برميل النفط لأكثر من 100 دولار، وهذا كان سيصيب ميزانية كل أسرة في العالم، فمعروف أن الهجوم على معملي أرامكو عطل صادرات تصل إلى 5.7 ملايين برميل يوميا، وارتفع سعر برميل النفط في اليوم التالي للاعتداء الآثم بنحو 20%، ويتم نقل ثلث النفط العالمي المنقول بحرا عبر مضيق هرمز.

نعم، أظهرت المملكة العربية السعودية في حديث الأمير محمد «روح القيادة» والمسؤولية، مقابل عدم الاكتراث بأمن الطاقة من جانب إيران، التي وقفت خلف هذا الاعتداء، وفق كل المؤشرات والأسلحة التي عرضها المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية.

المنطق هو الإقناع

كانت لغة المنطق هي السائدة في حوار الأمير محمد للقناة الأميركية، فهو أجاب باستفاضة ومنطق ومسؤولية فيما يتعلق بقضية مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي، فأشار الأمير أولا -وقبل أي شيء- إلى أنه يتحمل المسؤولية باعتبار أن هذه القضية حدثت في عهده، وتعهد أن هذا العمل لن يتكرر، وكشف عن كل الخطوات التي يجري التعامل بها في هذا الملف من قِبل النائب العام السعودي، وتوقيف 11 شخصا في هذه القضية، لكن اللافت في هذا الأمر، ما قاله سمو الأمير: إن هناك 3 ملايين موظف في المملكة، ومن غير المعقول أن كل موظفي الدولة يرفعون له يوميا 3 ملايين تقرير عن عملهم، وهو ما أقنع مقدمة البرنامج وكل من شاهدوا 60 دقيقة، بأن المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تتستر على خطأ، خاصة أن سمو الأمير محمد أكد أن العقاب سيطال أي مسؤول عن الجريمة، مهما كانت رتبته أو مكانته، كما أجاب الأمير محمد بشفافية كاملة عن سؤال البرنامج بشأن مزاعم سوء معاملة بعض المسجونات، وقال: إنه سيتابع هذا الأمر، وإن الدين الإسلامي والقوانين التي تطبقها المملكة لا يمكن أن تقبل بسوء معاملة أي فرد.

طاولة الحوار هي الأفضل

كما كان لإجابات سمو ولي العهد بشأن الوضع الإقليمي، وتفضيله لغة الحوار والحلول السياسية، ردّ فعل عالميّ، إذ أشاد بهذه الكلمات كل وسائل الإعلام الدولية، وما زالت التحليلات السياسية لما جاء في هذا الحوار، خاصة تأكيده قدرة المملكة على الدفاع عن نفسها وأصولها، لكنها في الوقت ذاته ترغب في معالجة الأوضاع الإقليمية بالطرق السلمية. وإن المملكة تعدّ أن الحل السياسي في اليمن سيكون سهلا، حال رفعت إيران يدها عن اليمن وأوقفت دعمها للحوثيين.

نعم، لقد كانت رسائل الأمير محمد بن سلمان، في برنامج 60 دقيقة الشهير، للمنطقة والعالم واضحة، ونجح هذا الحوار في وضع النقاط على الحروف، ونجح في تفكيك كل الألغام الدعائية والكاذبة بحق المملكة.