مرت سنة تقريبا على الحملة الشرسة المنسقة التي شنت على المملكة العربية السعودية، وقادتها في الإعلام العالمي. كانت حملة موسعة مبرمجة استخدمت فيها كل الأساليب الإعلامية ونفذت من جهات محترفة، أريد بها أحداث أكبر ضرر للسمعة الإعلامية للمملكة أكثر من أي شيء آخر، وكان يتم تزويد الحملة بالأخبار المتتابعة لإبقاء الزخم أكثر وقت ممكن. كان هناك تحالف بين الإخوان ودولة خليجية واليسار الغربي والفرس المتغربين، ولم يكن الهدف المطالبة بحق أو عدالة، بقدر ما هي محاولة انتقام من الرجل الذي جدد المنطقة، وخرب أحلام الخريف العربي، وبدأ مسيرة إعادة بناء المنطقة للمستقبل.

توقعنا بعد هذه الحملة أن تتم إعادة هيكلة الإعلام الخارجي، والدور الإعلامي لوزارة الخارجية، وكذلك دور السفارات والملحقيات بالخارج، خصوصا أن الإعلام الخارجي السعودي أثناء الأزمة السابقة أداؤه لم يكن ضئيلا وسيئا، بل كان غير موجود تقريبا.

لكن بعد مرور سنة، وبعد أربعة أمثلة واضحة، نستطيع القول إن الأداء الإعلامي الخارجي ما زال ضعيفا جدا وغير مؤثر.

سأذكر أربعة أمثلة واضحة على ضعف الإعلام السعودي الخارجي، رغم كل ما تملكه المملكة من مقومات وإمكانات:

أولا: تقرير المحققة الأممية أغنيس كالامار، بخصوص مقتل جمال خاشقجي -رحمه الله-، موقف كالامار وعدائيتها للمملكة معروف حتى قبل أن تبدأ تحقيقها، وكانت اللعبة واضحة للجميع، من هم وراء الحملة أرادوا استخدام اسم (الأمم المتحدة) لكي يظهر أن التحقيق موضوعي ومن جهة محايدة مثل الأمم المتحدة، فليس الجميع يعرف أن هذا التحقيق شخصي، ولم تقم الأمم المتحدة بتكليفها به، أصلا لا يجوز لها لو كان تحقيقا رسميا أن تعلن ما أعلنته من اتهامات وعدائية ضد المملكة حتى قبل التحقيق. كنا نعرف تماما حتى قبل نشر تقرير كالامار الشخصي، أن وسائل الإعلام العالمي ستقوم بحذف كلمات (تحقيق شخصي لاغينيس كالامار المحققة في الأمم المتحدة)، وستختصر إلى (تحقيق الأمم المتحدة)، لكي تستخدمه في مقالاتها ونشراتها. للأسف الشديد رغم وضوح العملية، لم يتم الرد على كالامار إلا بعد صدور تقريرها، وبعد أن تلقفته وكالات الإعلام، وأخذت ما تريد منه، وغيرت المسمى بمكر. وكان الأجدى احترافا وتأثيرا هو تدمير مصداقية كالامار أثناء تحقيقها المزعوم، خصوصا أنها جنت على نفسها بنشر الاتهامات قبل التحقيق. لكن للأسف، التأخير وعدم الاستجابة بسرعة قبل نشر التقرير أدى إلى نتائج ليست جيدة.

ثانيا: رد السفير السعودي في اليمن على السيناتور الأميركي كريس مورفي الذي كتب بضع تغريدات عن الوضع في اليمن، أغلبها كلام خاطئ ويدل على جهله بوضع اليمن. قام السفير السعودي باليمن بالرد عليه متأخرا بعد خمسة أيام في تويتر بأكثر من ثلاثين تغريدة، مع أنه في وسائل الإعلام الجديد، اليوم الواحد يفرق في التأثير! فما بالكم بعد خمسة أيام؟! حيث أغلب الناس يكون نسي الموضوع!، كما أن تغريدات الرد أغلبها معلومات تاريخية معروفة وموثقة، ولا أعلم إذا كان للبيروقراطية دور في الموضوع.

ثالثا: هجوم بقيق، حدث عالمي وهجوم على قلب الطاقة في العالم، اهتزت الأسواق حول العالم وارتفع سعر النفط، توقعنا استغلال الموضوع وبدء حملة منسقة دولية، ومحترفة لفضح النظام الإيراني، ولم نر تحركا إعلاميا كبيرا من الخارجية أو السفارات حول العالم. توقعت أن يكون حديث الساعة إلى وقت هذا المقال هو هجوم بقيق، فإذا بالموضوع يهدأ تدريجيا، لدرجة أن الرئيس الفرنسي كان يطالب الرئيس الإيراني بمقابلة الأميركي بعد الهجوم بأيام بكل وقاحة، والأوروبيون أصدروا بيانا لا يسمن ولا يغني من جوع، بينما الأفعال عكس ذلك!. أما غالبية سفاراتنا وسفرائنا حول العالم لم نر منهم حركة حقيقية وإعلامية، مجرد ترجمة لبعض البيانات!. كانت فرصة كبرى لفضح النظام الإيراني حتى لدى المدافعين عنه حول العالم، حتى لو تعاموا عن تصرفاته، لا يستطيعون التغابي والتعامي عن حدث كبير مثل بقيق، لو أديرت الحملة باحترافية وبالشكل المطلوب.

رابعا: اجتماعات الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تكلم عادل الجبير باحترافية وخبرة وكان مبدعا في ردوده، لدرجة أن بعض الصحفيين في أميركا كانوا يقولون لنا في أحاديثنا الخاصة (الآن بدأنا)، لإعجابهم بمنطق الجبير. ولو نرجع للوراء بعد أحداث سبتمبر 2001، لتذكرنا أنه هو نفسه تصدى للحملة الإعلامية على المملكة، منذ 18 سنة لا يوجد متكلم لبق للإعلام العالمي لدينا إلا الجبير! السعودية. لو وضعنا خلال هذه الـ18 سنة 5 أشخاص فقط كظل معه، لكانوا قادرين على نقل وجهة نظرنا بدلا من بعض الدبلوماسيين الذي عندما يتكلم للأجانب يترجم كلامه وأفكاره العربية حرفيا، فيخرج الكلام غير مفهوم وغير مؤثر. لم أشاهد إلى الآن متحدثا لبقا ولماحا، ويفهم العقلية الغربية، يدافع عن وجهة النظر السعودية، في البرامج الحوارية التي تخص السعودية، سواء بمواضيع مثل بقيق واليمن وما أدراك ما اليمن، بل بدأت أشك -مع أني لست من أنصار نظرية المؤامرة- بأن بعض القنوات الإعلامية العالمية تختار عمدا أضعف الإعلاميين لنقل وجهة النظر السعودية، كثير من كلامهم عاطفي أو انفعالي، وكأنهم يريدون تثبيت الصورة النمطية (ستيريوتايب) علينا.

لديّ عشرة أمثلة لكن أكتفي بأربعة لعل وعسى!

ككاتب ومتابع سعودي وبصفة شخصية، أشعر بعدم الرضا عن إعلامنا الخارجي، وأعتقد كثيرين من السعوديين كما صرحوا يشعرون بذلك، لكن الأسوأ أنه لم نر تحسنا ملحوظا في إعلامنا الخارجي أو خطط الخارجية الإعلامية، أو سفاراتنا أو نشاط سفرائنا ومتحدثينا رغم مرور سنة وأكثر!